على الإنكليز إذن؛ أن يصادروا المهربين، ويحكموا نطاق الحصار لمنع التهريب أو تخفيفه، فحاولوا لذلك حراسة خط يمتد من الكويت إلى البصرة فالناصرية.
ولكن الكويت نفسها كانت أضعف حلقة في سلسلة الحصار، وكان حاكم الكويت الشيخ سالم الصباح من كبار المستثمرين تجارة بلاده، وبالتالي المستغلين عملية التهريب. ومع أن الكويت في حوزة الإنكليز فلم يتمكنوا من إحكام النطاق الحربي عليها، فاضطروا في النهاية أن يحددوا وارداتها فلا تتجاوز الكمية المعروفة قبل الحرب.
ومع ذلك فقد كان يتسرب إلى العدو قسم كبير منها، فبذلوا المال في العشائر للمصادرة، واشتروا كبار المهربين مثل ماجد بن عجيل وضاري بن طوالة.
ترى البحث يجرنا إلى مهمة المستر فلبي الثانية، فقد عاد عن طريق الهند والبصرة في ربيع 1918، وخرج إلى البادية ينشد المصادرين، وفي قافلته جمال تحمل أكياسا من الفضة. وكان ضاري بن طوالة قد انخرط في السلك الإنكليزي لقاء مشاهرات معلومة، ووظيفته مصادرة البضائع التي كانت تصل إلى الشام بواسطة ابن الرشيد في حائل، ولكن ضاري شيخ من مشايخ شمر وشمر هي ظهر ابن الرشيد. فهل يلام إذا صادر أعداءه فقط؟
جاءه فلبي وهو في الحفر - جاءه يحمل النقود، عاقدة العهود والناقضة لها. فشكى ضاري إليه ضيق الحال، وفقر الرجال: «والحاجة يا فلبي شديدة إلى المال.» أناخ فلبي جماله، جمل الله حاله، فابتسم الضاري وقال: «والله يا فلبي حنا رجالك.» فقال فلبي: «قوموا إذن وارحلوا معي إلى ابن سعود.» فامتثل ضاري الأمر، وشد الرحال، فركب في موكبه ستون من رجاله. جاءوا والمستر فلبي يتوددون إلى ابن سعود ويقطعون له العهود. فاجتمعوا به على غدير يدعى الشوكي، واتفقوا أن تكون المصادرة عامة بدون تمييز. وأقسم ضاري يمينا مغلظة أن شمر العراق تكون دائما أبدا مخلصة للإنكليز ولابن السعود، ثم أرسل ماجد بن عجيل شيخ العبدة رسوله إلى عبد العزيز يطلب الصلح، فقال له: «إني أنذركم يا أهل شمر، فإذا كنتم مخلصين لنا تعالوا أقيموا في كبدي، وأما إذا كنتم تفاوضون الإنكليز وتساعدون الترك فأنا عدوكم والله، وقاهركم إن شاء الله.» - «أما حائل يا مستر فلبي، فإذا تركتم أمرها لي فأنا أعالجه بالسياسة، وإذا ألححتم فعليكم بالمدد.»
لم يكن المدد المقصود المال، بل الأسلحة والذخيرة، وهي يومئذ قليلة عزيزة، ثم قال عبد العزيز: «حائل في فكرنا دائما، ولكن حائل جدار ونار. ترى الصحيح. إن ابن الرشيد محصن فيها وراء الجدران والمدافع.»
عاد المستر فلبي مع ابن سعود إلى الرياض، وكانت المفاوضات والمباحثات متواصلة. قال عبد العزيز: «إني قادر أن أمنع ابن الرشيد عن محاربة الشريف، وهذا جل ما تبغونه الآن، ولكن العهد الذي بيني وبين شمر يوجب التربص. فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم. فإذا رجع ابن الرشيد وكان حليفا لنا، فذلك خير. تتحقق المقاصد بدون قتال. وإلا فنحاربه.»
أما العهد الذي أشار إليه فهو أن عبد العزيز - بعد سفر فلبي إلى الحجاز - شد على ابن الرشيد الذي كان يومئذ على الحجر عند الترك، ولكن مشايخ قبائله جاءوا ابن سعود يعاهدونه على الطاعة والولاء. ودليل صدقهم كما قالوا هو أن ابن الرشيد طلب منهم أن يحاربوا مع الترك الشريف فأبوا، وقد تعاهدوا وابن سعود أنهم ينذرون ابن الرشيد: «فإذا قدم من الحجر وكان معك يدا واحدة فنحن عشائره وعشائرك، وإذا رفض الرجوع فنحن معك عليه.»
لبث عبد العزيز ينتظر الجواب من مشايخ شمر، ولم ير أن يبقى المستر فلبي أثناء ذلك عنده في الرياض، فصارحه في الأمر، فرغب فلبي في رحلة علمية إلى وادي الدواسر. أذن عبد العزيز بذلك، ورحله مصحوبا برهط من المحافظة في شهر رمضان، فعاد إلى الرياض في الشهر التالي (صيف 1918).
وكان قد جاء الجواب من ابن الرشيد يرفض مطالب رؤساء شمر، فشد عبد العزيز يريد الزحف إلى حائل، وكان المستر فلبي مرافقا للجيش، ولكنه لم يكن مثل مواطنه المأسوف عليه شيكسبير الذي حضر معركة جراب وشارك في القتال، وفي الضحية.
ناپیژندل شوی مخ