د عربي نحو تاریخ

علي الشدوي d. 1450 AH
61

د عربي نحو تاریخ

تاريخ النحو العربي: منظورا إليه من جهة تطور مفهومه: تأملات استكشافية

ژانرونه

ما تعرض له علم البيان تعرض له علم النحو؛ حتى إن الناس بما فيهم علماء النحو أنفسهم تهاونوا به، وصغروا أمره، وقد اعتبر الجرجاني هذا صدا عن كتاب الله، وعن معرفة معانيه. تكمن قيمة النحو عند الجرجاني في أنه يفتح المعاني، ويعرف به جميل الكلام من قبحه، ويرجع إليه في معرفة تركيب الكلام الجميل والكلام المعجز، وما لم يعلم هذا فهو نقص في علم النحو، وغبن لعلمائه؛ ذلك أن النحو ليس معرفة زائدة ومتكلفة، أو اشتغالا بالفكر فيما لا يفيد.

6

لكن ماذا لو كان النحو كذلك؟ يعترف عبد القاهر الجرجاني بأن ذلك قد يكون، لا سيما في التمرينات التي يضعها النحويون في بعض مسائل النحو والصرف كالتصريف، والتدريب على القياس، وذكر العلل في أبواب النحو. ومن هذه الجهة قد يعذر العلماء في قولهم إن النحو معرفة متكلفة، واشتغال في الفكر بما لا يفيد، لكن النحو أكثر من ذلك، وقد حرموا من أن يفهموه. غير أن ما لا يعذر فيه علماء النحو، وما لا يرضاه العقل عند عبد القاهر الجرجاني هو ألا يحتاج الكلام الجميل كالشعر والكلام المعجز كالقرآن النحو مفتاحا لفهمهما وتحليلهما وتذوقهما.

إن ما أغاظ الجرجاني وهو العالم في النحو أن علماء النحو في زمانه الرديء، كما وصفه، يكثرون من غير أن يحصلوا. وفي إشارة إلى الأهمية الكبرى لإنجازات النحو السابقة التي يجهلها علماء النحو في عصره يقول: «يحسن (عالم النحو) البناء على غير أساس، وأن يقول الشيء لم يقتله علما.»

7

ويمكن أن أشرح تعبيره (يحسن البناء على غير أساس) بصقل النموذج العلمي النحوي، وتشذيبه، وأن أوضح تعبيره الآخر (القتل) بتجاوز النموذج العلمي النحوي؛ ذلك أن القتل مجاز للتجاوز كما لو قلنا قتل الجرجاني سيبويه دراسة وبحثا.

إذا ما أردت أن أوصل هذه التمعنات التي تتعلق بإنجازات علم النحو قبل الجرجاني، فإن الكلام المعجز كالقرآن والكلام الجميل كالشعر لم يسبق أن كانا مجالا لتحليل النحو. والنحاة السابقون الذين يلجئون إلى القرآن، أو إلى الشعر العربي القديم، إنما كانوا يلجئون إليهما ليستشهدوا بهما على أصالة التركيب العربي؛ فحينما يورد سيبويه في الكتاب، أو ابن جني في الخصائص آية قرآنية أو بيتا من الشعر، فإنهما يوردانهما من حيث هما شاهدان على مخطط العرب في كلامها، وليس من جهة جمال الشعر العربي، أو إعجاز القرآن.

لماذا بقي مجال الكلام الجميل والمعجز خفيا على النحو في إنجازاته السابقة؟ لماذا لم يثر إحساس النحويين بجمال الشعر العربي، وإحساسهم بإعجاز القرآن اهتماما نظريا يكون مدخله النحو؟ يتعلق الأمر هنا بوظيفة أيديولوجية؛ فلو اقتصرت هنا على قراءة القرآن بما أنها قراءة تكاد تكون من نشاطات عالم النحو المسلم اليومية، سيكون مفهوما أن علما بالنحو يعني فقط ضبط أواخر كلمات القرآن لكي يفهم المعنى؛ أي إن قراءة النحوي اليومية للقرآن لا تعطي أي فكرة عن عمق القرآن؛ لأنها قراءة إيمان لا تتيح مجالا إلا للأيديولوجيا. تعطي قراءة النحوي القرآن بعين الإيمان بعدا يهتم بالصحة والخطأ، ولا تعطيه بعدا يتعلق بتشكيل نظري لفكرة إعجازه.

لماذا هذا الوقت المتأخر لكي ينتبه عبد القاهر الجرجاني إلى أن النحو يمكن أن يكون مدخلا لفكرة إعجاز القرآن؟ يتعلق الأمر بموضوع، وبميدان معرفة ممكنة كان محجوبا. لقد عبر الجرجاني بفكرة النحو المتعلقة بكلام البشر، إلى فكرة نحو تتعلق بكلام ما فوق البشر. من الإنسان المتكلم إلى الله المتكلم والعبور هنا عقلي؛ فالنحو مدخلا لفهم كلام الله تعليل لجهل البشر وقصورهم، وإبطال لفكرة القائلين بالصرفة؛ فالله لم يمنع الناس من أن يأتوا بمثل كلامه، بل هو عجز البشر أمام مزايا كلام الله وخصائصه. عجز العرب عن محاكاة القرآن نتج عن الدهشة التي أخرست ألسنتهم، وهو ما أفهمه من كلام الجرجاني الآتي: «وجدوا اتساقا بهر العقول، وأعجز الجمهور، ونظاما واتساقا، وإتقانا وإحكاما، لم يدع في نفس بليغ منهم، ولو حك بيافوخه السماء، موضع طمع حتى خرست الألسن عن أن تدعي وتقول، وخذيت القروم فلم تملك أن تصول.»

8

ناپیژندل شوی مخ