د عربي نحو تاریخ
تاريخ النحو العربي: منظورا إليه من جهة تطور مفهومه: تأملات استكشافية
ژانرونه
40
إن ما لا يخطر على بال أحد في ضوء مهمات ابن جني العلمية والتعليمية هو أن يلجأ إلى علل غير علمية لكي يتخلص من مأزق بعض المعترضين المفترضين. يقول: «فإن قلت (فما تنكر) أن يكون ذلك شيئا طبعوا عليه، وأجيبوا إليه، من غير اعتقاد منهم لعلله، ولا لقصد من القصود التي تنسبها إليهم في قوانينه وأغراضه؛ بل لأن آخرا منهم حذا على ما نهج الأول فقال به، وقام الأول للثاني في كونه إماما له في مقام من هدي الأول إليه، وبعثه عليه، ملكا كان أو خاطرا؟ قيل: لن يخلو ذلك أن يكون خبرا روسلوا به، أو تيقظا نبهوا إليه على وجه الحكمة فيه. فإن كان وحيا أو ما يجري مجراه فهو أنبه له، وأذهب في شرف الحال به، وانطواء على صحة الوضع فيه.»
41
ليس هذا تعليلا علميا؛ إنما هو ظن ورأي رجل حكيم، وحتى لو كان الرأي هنا صادقا فلا أحد يسميه معرفة علمية، ذلك أن المعرفة يجب أن تستند وتتأسس على العقل وليس على الاعتقاد والإيمان. يمكن أن نسمع الرأي الصادق من خطيب مفوه ومتمكن في البلاغة، أو من متنبئ، أو من حكيم، أو من متصوف، وليس من باحث علمي؛ لأن المعرفة العلمية لا تصدر إلا عن العقل. قد يكون الرأي الصادق أحكم وربما أفضل إلا أنه فهم لا ينتمي إلى العلم.
ومع ذلك يمكن أن أتفهم رأي ابن جني في ضوء دهشته من كلام العرب التي عبر عنها في الباب الذي عقده عن أصل اللغة أإلهام هي أم اصطلاح؟ وكيف أن فكره «يتغول» وهو يفكر في حال كلام العرب؛ رقته ودقته وإرهافه وإحكامه حتى قوي في نفسه «اعتقاد كونها توفيقا من الله سبحانه وأنها وحي. ثم أقول في ضد هذا لا ننكر أن يكون الله تعالى قد خلق من قبلنا، وإن بعد مداه عنا، من كان ألطف منا أذهانا، وأسرع خواطر وأجرأ جنانا، فأقف بين الخلتين حسيرا، وأكاثرهما فأنكفئ مكثورا، وإن خطر خاطر فيما بعد، يعلق الكف بإحدى الجهتين، ويكفها عن صاحبتها قلنا به.»
42
نعثر هنا على شهادة مؤثرة على الكيفية التي أدار بها ابن جني مهماته العلمية. تمتمة معذبة تصارع من أجل أن تفهم. لماذا هذا؟ الأعراف والتصورات والمفاهيم التي حددها التراث الديني؛ أعني قوله: «وارد الأخبار المأثورة بأنها (اللغة) من عند الله عز وجل»
43
التي تهدد تفكيره. وقد بقي موقف ابن جني متأرجحا بين هذا وذاك؛ أي بين الإلهام (التوقيف) والاصطلاح، وهو تأرجح يشير إلى التحدي المستمر للمهمة العلمية التي كرس اهتمامه لها، وفتنته العظيمة باللغة العربية.
لم تكن لتخفى على ابن جني الجهود التي بذلها سيبويه وغيره في بيان جمال اللغة العربية ودقة تراكيبها من منظور غير ديني. يقول: «من ذلك ما نبه عليه أصحابنا رحمهم الله، ومنها ما حذوته على أمثلتهم، فعرفت بتتابعه وانقياده، وبعد مراميه وآماده، صحة ما وفقوا لتقديمه منه، ولطف ما أسعدوا به، وفرق لهم عنه.»
ناپیژندل شوی مخ