د عربي نحو تاریخ
تاريخ النحو العربي: منظورا إليه من جهة تطور مفهومه: تأملات استكشافية
ژانرونه
لاحظ الجرجاني أن الفكر لا يتعلق بمعاني الكلمات المفردة؛ أي وهي متجردة من معاني النحو «إنما منطوقا بها على وجه يأتي معه تقدير معاني النحو وتوخيها فيها». ويستطرد: «ولم تجئ إلى فعل أو اسم ففكرت فيه فردا، ومن غير أن كان لك قصد أن تجعله خبرا أو غير خبر». ماذا يعني هذا لفكرتنا عن المفاهيم المؤسسة للنحو العربي؟ يعني أن هناك قضيتين نحويتين مفترضتين:
لكل كلمة في الجملة حكم نحوي.
ليس لكلمتين متتاليتين في جملة واحدة الحكم النحوي ذاته.
من أين جاء اللبس في حشر كتاب «دلائل الإعجاز» في كتب البلاغة والجرجاني في علماء البلاغة؟ يبدو لي أن عبد القاهر الجرجاني أراد أن يكون النحو علم علوم اللسان العربي؛ أعني العلم الشامل لكل فنون اللغة العربية. هذا من جهة، ومن جهة أخرى من أن الجرجاني استطاع مستعينا بفكرة العقل الإنساني الذي يهيمن على كتابه أن يصوغ قضية الإعجاز صياغة جمالية بعد أن كانت مثقلة بالدين. لقد هيأت اللغة العربية لعبد القاهر الجرجاني سبل تحليل كلامها وفنها وجمالها من منظور النحو. ومن المفارقة أن الشعر والقرآن - وليس كلام الأعراب أو لغات القبائل التي تؤخذ عنها اللغة - هما ما سمحا له بصياغة نظريته الجمالية. فالقرآن والشعر يتمايزان عن الكلام اليومي، ولا أقدر من النحو مدخلا لتحليل الكلام الجميل والمعجز.
تكمن أهمية عبد القاهر الجرجاني في تاريخ النحو العربي في تأكيده على مفهوم الحذف الذي يعتبر أهم مظهر من مظاهر التأويل النحوي. وهو ينص على ذلك صراحة في عنوان فصل من فصول كتابه دلائل الإعجاز «القول في الحذف». وهو فصل أظن أنه أجمل فصل كتب عن مفهوم الحذف في تاريخ النحو العربي. مكمن الروعة في هذا الفصل أن الجرجاني وعى وظائف الحذف ليس من جهة النحو فحسب، إنما أيضا من ناحية الجمال. فغموض اللغة كما يكون عادة في الكلام الجميل والكلام المعجز يحتاج إلى وضوح العقل. ولم يجد الجرجاني أفضل من علم النحو المستند إلى العقل ليوضح وحدات الفن والإعجاز التركيبية؛ فالعقل ليس دلاليا أو وصفيا فحسب؛ إنما أيضا جمالي. لقد ذكرت فيما سبق أن هناك نوعين من الكتب في التراث النحوي. الأولى: تصف كلام العرب وأهمها كتاب سيبويه. والثانية: تعلل كلام العرب وأهمها كتاب الخصائص. وسأضيف هنا نوعا ثالثا يتذوق كلام العرب، وأهمها كتاب دلائل الإعجاز.
ينطلق الجرجاني من فرضية مفادها أن مستويات اللغة العربية؛ أعني الكلام بعامة، والكلام الجميل كالشعر، والكلام المعجز كالقرآن نتاج عقل المتكلم بها، فحيثما يوجد مستوى من هذه المستويات يعني أن العقل يعمل؛ «فالعاقل يرتب في نفسه ما يريد أن يتكلم به». وكل مستوى منها قادر على أن يحقق الهدف الذي يريده العقل الذي أنتجه، ويسعى لكي يحقق فكرة المستوى اللغوي الكامل. وبالتالي فإن عمل النحوي هو أن يتقصى الحد الذي يقترب فيه المستوى اللغوي من فكرة كمال المستوى اللغوي ذاته. هناك اختلافات بين هذه المستويات، ويقر الجرجاني بذلك؛ إلا أنه لا يفرض معيارا من خارج كل مستوى، إنما يستمده من طبيعة المستوى الداخلية.
لا أحد قبل الجرجاني فكر في أن الحذف يمكن أن يهيئ معرفة. ومقارنة الفصل الذي خصصه ابن جني للحذف «باب في شجاعة العربية» بالفصل الذي خصصه الجرجاني يرينا إلى أي حد تحول عمل الهاوي (ابن جني) إلى عمل محترف (الجرجاني)، وأن ما أطلق عليه ابن جني «شجاعة العربية» ليست إلا فكرة بدائية نضجت، وآتت أكلها عند عبد القاهر الجرجاني، وشجاعة العربية عند ابن جني لم يكن لها أن تقاوم شجاعة المعرفة عند الجرجاني. وهكذا يختفي وراء بناء النحو العلمي عند الجرجاني قناعة تتمثل في إعجاز اللغة ودلائل إعجازها، وليس ما فهم على أنه إعجاز مستوى لغوي معين. هذه القناعة هي أن اللغة معجزة الإنسان.
إن ما أردت أن أوضحه هو وجود مفاهيم مؤسسة للنحو العربي من حيث هو علم، أسهم في وضعها سيبويه وابن جني والجرجاني. هذه المفاهيم المؤسسة هي: العامل والإضمار والعلة والحذف. وهي مفاهيم نحوية تشكل حدا أدنى لكل معرفة بالنحو العربي، وبداية يؤمن بها معظم النحاة، ويستعملونها بوصفها لا تقبل الجدل.
بدهيات النحو العربي
لا جدوى من أن أميز بين البدهيات وبين المسلمات، فهذا أمر ثانوي على الأقل عند غير الإقليديين (نسبة إلى إقليدس)؛ لذلك بإمكاننا أن نقول بدهيات النحو العربي في الوقت الذي بإمكاننا أن نقول مسلماته. وفي تصورنا يمكن أن نبحث عن بدهيات النحو العربي، وأن نعرضها ضمن تاريخ النحو العربي، وأن نؤسسها على أقل عدد ممكن. وسأقترح البدهيات التالية:
ناپیژندل شوی مخ