د مصر تاریخ له عثماني فتح نه تر اوسنیو وختونو پورې
تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قبيل الوقت الحاضر
ژانرونه
ذكرنا سابقا أن المماليك كانوا يهددون القاهرة في أول ولاية محمد علي، وكان هذا أول خطر يحدق به؛ لأن جميع ما لديه من الجند كانوا مشاة لا يقوون على مكافحة فرسان المماليك خصوصا في الخلوات؛ حيث يمكنهم الكر والفر بكل نظام وبدون أدنى خطر، فدبر لهم مكيدة أنفذها بعض الموالين له؛ وذلك أنهم اتفقوا سرا مع رؤساء المماليك على أن يفتحوا لهم أبواب القاهرة في يوم الاحتفال بفتح الخليج، أي في الوقت الذي يكون فيه محمد علي وجميع ضباطه مشغولين لاهين في الاحتفال خارج المدينة، على شرط أن يدفعوا لهم مالا في مقابل هذه الخدمة. فاغتر المماليك ووقعوا في هذه الأحبولة، فلما حل اليوم المعهود دخلوا المدينة من باب الفتوح، فلم يجدوا في حراسته إلا ثلة ضئيلة من الفلاحين تغلبوا عليها بدون عناء، ثم ساروا قاصدين باب زويلة، فلما صاروا في قلب المدينة انصبت عليهم النيران من جانبي الشارع من النوافذ، وكان قد استعد لذلك محمد علي، فلما تنبهوا لغلطتهم التجأ أكثرهم إلى جامع برقوق، وسلم معظمهم عندما أمنهم الوالي على حياتهم، إلا أنه رغم ذلك ذبح معظمهم في (جمادى الآخرة سنة 1220ه/أغسطس سنة 1805م).
ثم أراد محمد علي أن يجمع مالا لإعطاء الجند مرتبهم مخافة أن يعزل كسابقيه، وأراد أيضا أن يجزل العطايا إلى أمير البحر التركي - وكان راسيا بأسطوله في مياه الإسكندرية، يحمل الأوامر بمساعدة المماليك على محمد علي. ولما رأى أنه من المحال أن يضرب الضرائب على الفلاحين، ولا سيما أن جميع الأراضي كانت لا تزال في قبضة المماليك، جمع بعض المال من أقباط مدينة القاهرة، ووجد بفحص دفاتر الحساب أن الجباة منهم اختلسوا ما لا يقل عن 4800 كيس، فأجبرهم على دفعها؛ وبذلك أجزل العطايا إلى أمير البحر التركي وأرجعه من حيث أتى، وكان ذلك في أكتوبر سنة 1805. ولم يمر على هذا الحادث إلا زمن يسير حتى عاد أمير البحر التركي نفسه يصحبه «موسى باشا» والي سلونيك ليكون واليا على مصر، ولينتقل محمد علي معه ليتولى منصب موسى باشا؛ فتظاهر محمد علي بإظهار الطاعة لأوامر الباب العالي، ثم ادعى أنه يتعذر عليه أن يغادر مصر توا؛ لأن الجنود أبوا عليه النقلة ولا حيلة له في دفعهم، فإن فئة كبيرة من الضباط عاهدوا أنفسهم وأغلظوا الأيمان والمواثيق ألا يخضعوا لأحد غيره، وأن يعاضدوه ويأخذوا بناصره ولو على السلطان. وقد تظلم العلماء والأشراف لدى الباب العالي، والتمسوا إبقاء محمد علي. ومن حسن حظه أن نشبت في هذه الفترة نار حرب بين الروس والترك، فاضطر الترك بطبيعة الحال إلى استدعاء أسطولهم إلى المياه التركية، فأبحر الأسطول بعد أن أجزل محمد علي العطاء لأمير البحر وموسى باشا معا، وأخيرا وصل إلى مصر في (24 شعبان سنة 1221ه/نوفمبر سنة 1806م) عهد بتأييد محمد علي في منصب والي مصر.
وفي أثناء هذه الحوادث جمع الألفي بك والبرديسي شعث جيشهما، وأوثقا عرى التحالف بينهما وبين البدو، وشنا الغارة على محمد علي في بلاد الوجه البحري، وشجعهم على ذلك الأسطول التركي الذي كان راسيا في المياه المصرية. فاشتبك الألفي مع فرقة أرسلها عليه محمد علي، فانهزمت عند «النجيلة»، ثم انضم الألفي بعد انتصاره إلى البرديسي وحاصرا دمنهور، فدافع الأهالي عنها دفاعا صادقا، وأظهروا شدة وبسالة لم تكن في الحسبان، على حين أن الألفي والبرديسي كانا يتنازعان السيادة والأفضلية، وكان محمد علي يستعد للواقعة الفاصلة بينه وبين المماليك بعدما تخلص من الأسطول التركي كما تقدم، فساعدته السعادة وحسن الجد بموت عدويه العظيمين؛ فمات البرديسي بالحمى في (سنة 1221ه/أكتوبر سنة 1806)، ومات الألفي في (ذي القعدة سنة 1221ه/يناير سنة 1807م)، وبموتهما تفرق أتباعهما أيدي سبأ، وفر معظمهم إلى الوجه القبلي .
ثم وصلت الحملة الإنجليزية التي أسلفنا الذكر عن سبب مجيئها إلى الديار المصرية باختصار، وكان الغرض من هذه الحملة تأييد سلطة المماليك ونزع البلاد من يد الباب العالي، ولكن كانت نتيجة الحملة الفشل التام؛ والسبب في ذلك يرجع إلى غلو الإنجليز في تقدير ما كان لدى المماليك من الجند.
وصلت هذه الحملة في (أول المحرم سنة 1222ه/مارس سنة 1807م) واستولت على الإسكندرية، ثم سير قائدها «فريزر» قوة لتحتل رشيد، فتغلبت عليها أولا لضعف حاميتها، إلا أن الحامية عادت وأخذتهم على غرة وبددت شملهم. ولما علم محمد علي بما جرى في الإسكندرية رجع من مطاردة المماليك في الصعيد إلى القاهرة، وجهز جيشا سيره إلى رشيد، فالتقى هو وأهالي البلاد من رشيد ودمنهور وبعض أهل البحيرة مع الإنجليز عند قرية «الحماد» - جنوبي رشيد - وهزموهم شر هزيمة، ثم ذهب محمد علي إلى جهة الإسكندرية وأراد أن يحاصرها، ولكن ولاة الأمور الإنجليز كانوا أرسلوا إلى قائد الحملة بالرجوع، فأخلى الإسكندرية بعد أن عقد شروط الصلح مع الوالي في دمنهور، وتركت الحملة البلاد المصرية في (رجب سنة 1222ه/سبتمبر سنة 1807م). أما العمارة البحرية التي أرسلتها الأمة الإنجليزية لاختراق الدردنيل فإنها حطمت، ولم ينج منها إلا بضع سفن.
وكان من نتائج هذه الحملة رضاء الباب العالي عن محمد علي، فمنحه السلطان خلعة وسيف شرف، وأمر بإرجاع ابنه إبراهيم إليه - وكان معتقلا في القسطنطينية. وقد صار لهذه الإنعامات السلطانية أثر عظيم في توطيد سلطته؛ إذ كان في هذا الوقت في وجل شديد من جنده، حتى إنه استعد للاعتصام بالقلعة إذا تألبوا عليه. (1-3) القضاء على المماليك
لما وثق الباب العالي من محمد علي أراد أن يستخدمه في إصلاح شئون الدولة، فأول أمر كلفه إياه إخضاع طائفة الوهابيين الذين كانوا يتدخلون في أمر الحج، واحتلوا الحرمين الشريفين وسلبوهما. ولهذه الطائفة مذهب خاص سنتناول الكلام عليه فيما بعد. فجاءت الأوامر إلى محمد علي بإخضاع هؤلاء القوم، فاضطر أن يعد جيشا أعظم عددا وأكثر تدربا من الجيش الذي عنده ، وأن يكون له أسطول لنقل الجنود في البحر الأحمر، فوجد أن لا مندوحة من زيادة الضرائب إلى درجة أقصت عنه كل من كان ملتفا حوله، ولقد كان مركزه إذ ذاك غاية في الخطر، فرأى أن لا يتحرك بجيشه إلى محاربة الوهابيين قبل أن يقضي على البقية الباقية من المماليك، وخاصة بعد أن ظهر له أنهم جميعا مزمعون على قتله. وكان قد رأى أولا أن يتفق معهم، وأرسل لهذا الغرض حسين باشا الأرناءوطي يبلغهم أنه يعطيهم كل ضياعهم، فأبوا ذلك، ففكر في قهرهم بحد السيف، فحاربهم في موقعة عند أسيوط انهزم فيها جيشه، إلا أن المماليك انتكث فتلهم وتفرقوا ثانية في طول البلاد وعرضها، في (أواخر رجب سنة 1225ه/أغسطس سنة 1810م). ولم تمض مدة يسير حتى خدع شاهين بك - رئيس المماليك بعد موت الألفي - واحتال لذلك محمد علي بمنحه كل الأراضي التي على ضفة النيل اليسرى من الجيزة إلى بني سويف وفيها الفيوم؛ فخضع كل المماليك اقتداء به، ووقعوا على شروط الصلح في سلخ عام 1810م، ورجعوا إلى القاهرة واتخذوا مساكنهم في قصورهم كما كانوا من قبل.
وكان شغل محمد علي الشاغل في هذه الأثناء تخليص الحرمين الشريفين من أيدي الوهابيين، إلا أنه لم يجرؤ على تسيير جندي واحد إلى بلاد العرب ما دامت المماليك تهدد ولايته وتناصبه العداء، وكان على يقين من وثوبهم به في أول فرصة تتغيب فيها الأتراك عن البلاد، وقد تمثل له جليا مبلغ تحفزهم لقتله غيلة عندما وافته الأخبار وهو في مدينة السويس مهتما بشئون الحملة إلى بلاد العرب من «محمد بك لاظ الكخية» يحذره من المماليك، وكانوا يريدون اغتياله وهو راجع إلى القاهرة؛ فأخذ الحيطة، وبدلا من مكثه في السويس إلى اليوم الذي ضربه لرجوعه تركها في غلس الظلام على ظهر نجيب سريع العدو غير معلن أحدا وجهته، ووصل القاهرة في فجر اليوم الثاني يصحبه أربعة من الخدم؛ فهذه المؤامرة وغيرها جعلته يفكر في القضاء عليهم بأية وسيلة قبل أن يسبقوه إلى ذلك.
وفي شهر (صفر سنة 1226ه/فبراير سنة 1811م) جمع محمد علي جيشا مؤلفا من 4000 جندي في القاهرة تحت قيادة «طوسون باشا» ثاني أولاده، لغزو بلاد العرب وإخضاع الوهابيين، ورأى أنه لا بد قبل مسير الحملة من الديار من الاحتفال بها وتسليم وسام الشرف السلطاني له، فدعا في اليوم المضروب جميع ضباط الجيش والأعيان، وعددا عظيما من الجند، ثم دعا جميع المماليك ورؤسائهم، وأعد لهم وليمة فاخرة تذكارا لهذا اليوم المشهود، فاجتمع الجميع في القلعة في يوم الجمعة خامس صفر - أول مارس - وكان عدد من حضر من المماليك يقرب من الخمسمائة.
وكان الغرض الحقيقي من دعوة المماليك التخلص من شرهم ودسائسهم، فأسر محمد علي بذلك إلى «حسن باشا» و«صالح قوج» الأرناءوطيين فقط، وفي صبيحة هذا اليوم أسر به إلى «إبراهيم أغا» - حارس الباب - فنظم الموكب في القلعة على الترتيب الآتي: ابتدأ الموكب بعساكر الدلاة، ثم تبعهم العساكر الإنكشارية، ثم الجنود الألبانية بقيادة صالح قوج، وتلاهم المماليك، ففرقة من الجنود النظامية. فلما سار الموكب وانفصل الدلاة ومن خلفهم من الإنكشارية عند باب العزب، أمر صالح قوج بإغلاق الباب وأشار إلى طائفته بالمقصود، فأعملوا السيف في رقاب المماليك، وقد انحصروا جميعهم في المضيق المنحدر، وهو الحجر المقطوع في أعلى باب العزب - بين الباب الأسفل والباب الأعلى - الذي يتوصل منه إلى رحبة سوق القلعة. وكان قد جهز محمد علي عددا من الجند على الحجر والأسوار، فلما بدئ بالضرب من أسفل أراد المماليك التقهقر فلم يستطيعوا إلى ذلك سبيلا؛ وذلك لوجود خيلهم في مضيق صغير جدا لا يسع جوادين جنبا إلى جنب، وقد أعمل جنود محمد علي فيهم السيف قتلا وفتكا حتى فني كل من كان منهم في القلعة.
ناپیژندل شوی مخ