ومما ساعد على اختراع الطباعة فصل الحروف، فإن الحروف كانت تكتب قبلا متصلة، ولكن بعضهم اهتدى إلى طريقة فصلها وصار يصنعها من الخشب أو المعدن، ثم كانت تصف وتضغط بما يشبه المضاغط التي كانت تستعمل في عصر العنب أو الزيتون، وقد كان الرومان يعرفون الحروف المنفصلة ويعلمونها أولادهم، ثم كان القدماء يعرفون الختم ويطبعونه على الشمع فتظهر الصورة والرمز أو الاسم.
على أنه لما ظهرت الطباعة قابلها الناس في غضب وحماسة، أما فئة النساخين فقد تلقتها في سخط ولعنة؛ لأن وجود المطابع كان يقضي على مورد رزقهم، أما سائر طبقات الناس فقد رحبوا بها وعدوها رأس الفنون والعلوم؛ ولذلك كانت المطبعة في بداية ظهورها هدفا للعواطف المتناقضة والآراء المتباينة؛ ذلك أن للطباعة أثرا مهما في الماضي والحاضر والمستقبل؛ إذ هي قبل كل شيء وسيلة حفظ أفكار الأجيال الماضية، فقد حاول الناس منذ الأزمان القديمة أن يخاطبوا أرواح الموتى.
ومن المعارضين للطباعة النساخون الذين ظنوا أنها تقضي على مادة رزقهم؛ لأن الطبع قام مقام النسخ، هذا وقد كان الطباعون في أول عهدهم ينسبون إلى السحر؛ وذلك لأن النسخ المطبوعة تخرج في سرعة هائلة من المطابع مما يدل على أن يد الشيطان هي التي تفعل ذلك، وكان الاضطهاد يشتد أحيانا حتى كان الطباعون يفرون خوفا، كذلك كان رجال الدين يقاومون هذه البدعة الجديدة؛ لأن الإنسان أحد رجلين: إما أنه ناقل ناسخ وإما أنه مبتدع مجرب. ورجل الدين بحكم وظيفته، يؤثر خطة السلف وسنة القدماء على ابتداع البدع، وكانت الطباعة في نظره بدعة، أما القسم الثالث من المعارضين فكان مؤلفا من الملوك والساسة، فإنهم وجدوا في الطباعة النور الذي يكشف عن ظلمهم وظلامهم، فوضعوا لها قيودا وقواعد وعقوبات، بلغت أحيانا الحكم بالقتل، ومما هو ذو مغزى أن والي فرچينيا في الولايات المتحدة كتب في سنة 1660، حين كان ذلك القطر العظيم لا يزال تابعا لإنجلترا، يقول لملك الإنجليز إنه يشكر الله لأنه ليس في ولايته مدارس حرة ولا مطابع، وصرح برجائه بأنهما لن توجدا قبل 300 سنة؛ لأن انتشار العلوم لم ينفع الناس إلا في نشر الإلحاد والثورة. (3-1) أدوات الكتابة
استعملت الأحجار والجلود والأخشاب والفخار والخزف وورق البردي والكاغد ونوع من الورق الشبيه بالورق الحديث للكتابة عليها، واستخدمت أقلام حجرية وأعواد من القصب، للكتابة بها، كذلك استخدم النقش والحفر ومداد مسحوق الخشب المحروق لإيضاح المكتوب.
أما أدوات الكتابة عند العرب فهي الرق - الجلد، والأقمشة خاصة النسيج المصري المسمى «القباطي»، وعليه كتبت المعلقات السبع وعلقت على أستار الكعبة، وألواح العظام وقطع الخشب والخزف والفخار، وعرفوا ورق البردي بعد فتح مصر، وعرفوا ورق الكاغد في الدولة العباسية ونقلوه عن الصين، وأنشئوا معامل للورق في دمشق وبغداد والأندلس ومنها إلى أوروبا، أما المداد فمن مسحوق الفحم - الخشب المحروق - أو الهباب مدوفا بالصمغ أو بالمادة اللزجة، والأقلام من الصلد ينقشون بها الأحجار وألواح العظام ثم من القصب.
الفصل السادس عشر
الفلسفة
يبدو أن الفلسفة كانت من المعاني التي استرعت نظر الإنسان البدائي مختلطة بالمعرفة إجمالا، ذلك أنه كان دائب النظر إلى الطبيعة؛ إلى السماء والأرض والماء ، راغبا في الوقوف على سر ما يشهد وتعليل حقيقة ما يحس.
وليس ببعيد ولا بعجيب أن يكون رئيس الجماعة أو زعيم القبيلة أو رب الأسرة هو ذاته الكاهن والعالم والطبيب والفيلسوف والعراف والساحر وقائد الجند والشرطة، بل الملك. وكلما اقتربنا من عصر التاريخ، وضح التخصص في هذه الأعمال، وأصبح لكل منها أشخاص ينهضون بأعبائها.
وقد اختلف استعمال لفظ «الفلسفة» - ومعناها حب الحكمة - تبعا للبلاد والعصور والعلماء، فقد انتقلت فكرة «الفلسفة» نفسها في اليونان من فكرة المعرفة والثقافة العامة؛ أي من أن الفيلسوف هو من يعرف أي شيء أو كل شيء إلى علم معين، فعند «هيرودوت وثيكيديس» أن فكرة الفلسفة تتبع المعرفة، أما في كتابات «أفلاطون» فهناك فرق بين الرجل الحكيم ومحب الحكمة، وعند «أفلاطون» أن الفيلسوف هو من يدرك أساس الأشياء وحقيقتها على نقيض من لا يعنى إلا بالظواهر ومظاهر الحس، فالفلاسفة عند أفلاطون هم من يستطيعون إدراك الأبدي والثابت، ومن يحبون كل شيء له وجود حقيقي.
ناپیژندل شوی مخ