تاريخ المسرح
تاريخ المسرح في العالم العربي: القرن التاسع عشر
ژانرونه
184
وبعد عدة رحلات في أقاليم مصر وفي الشام، عاد مرة أخرى في نهاية عام 1885، إلى مسرح حديقة الأزبكية.
وبعد عدة عروض تلقى القباني نقدا لاذعا من جريدة الزمان في أكثر من مقال ، عندما قالت الجريدة في 22 / 12 / 1885 تحت عنوان «التشخيص العربي في تياترو الجنينة»: «صمتنا عن هذا التشخيص مدة طويلة من الزمن وغضينا الطرف ساكتين عن القذى إلى أن طفح الكيل وعم الويل وأصبح الكلام فرضا واجبا وشرح الحالة خدمة وطنية. إذ من المعلوم أن التياترو والتشخيص ما جعل إلا لتهذيب الأخلاق وتحسين الطباع وترقي الناس إلى درجة الكمال ... ولكن من سوء الحظ رأينا التشخيص العربي في تياترو جنينة الأزبكية جاريا على ما يفسد الآداب ويهتك حرمتها وينزع من القلوب تلك المبادئ الشريفة التي استغرق غرسها السنين الطوال ... وقد رأينا أول أمس ما تقشعر منه الأبدان؛ إذ كان رجال حالقون شواربهم ولحاهم وواقفين موقف النساء، وسمعنا البعض يصرخ من اللوجات يا قلبي يا روحي وما أشبه ذلك من الألفاظ التي لا تقال في محفل أدبي. فكيف بالله يرجى الإصلاح من منبع الفساد؟! وكيف يؤمل ترقية الآداب من عمل ليس إلا قلة حياء وبيع ماء الوجه؟! ويا ليت أصحابنا اقتصروا على ملابس النساء أو على حركات الفاضلات النازلات في مقام التشخيص! بل رأينا منهم من التهتك وخلع العذار والإفراط في الغنج وعدم المبالاة بالأدب ما ألجأنا إلى أن نحرم حضور الناس في تشخيصهم. على أن هؤلاء المشخصين ليسوا بمصريين بل هم من بعض المطرودين من سوريا؛ لأن حضرة والي الشام لما رأى منهم هذه الأحوال وعرف عواقبها منعهم من التشخيص وشدد عليهم اللوم لدخولهم في صنف النساء مع أنهم رجال. فإذا كانت سوريا التي هي دون مصر في العمار والنجاح قد خشيت أن تفسد آدابها بواسطة هؤلاء الناس فليست مصر أحق وأولى بأن تحفظ نفسها من ذلك؟ خصوصا وأن الشريعة الإسلامية الشريفة لا تجوز النظر إلى وجه الأمرد الذي يخشى منه الفتنة بل إن هؤلاء الأشخاص مرد صناعة لا مرد طبيعية، يأتون من التهتك ما تستقبحه بنات الهوى ... ولكن حيث إن التمثيل على هذه الحال فلنا الثقة التامة بأن سعادة محافظ عاصمتنا الهمام نصير الأدب والمحافظ على فوائده لم يشاهد ما هو جار في هذا التياترو، وإلا لكان ينفي المشخصين من أول وهلة؛ حرصا على الفوائد التي تبثها المدارس وغيرها من الموضوعات التهذيبية. ولأجل ذلك نظهر ثقتنا بأنه يتخذ الاحتياطات اللازمة لمنع هذا التمثيل بالكلية، فإن الحرية واجبة ولكن قلة الحياء تشوه وجهها، وإن دام هذا التمثيل تضيع ثمرات التهذيب والاستقامة واحترام الأدب التي تغرسها حكومتنا السنية في عقول أبناء الوطن الكرام، ويحتقرنا الخاص والعام ونصبح أضحوكة بين الأنام ... ولا شك أن ما حصل في دمشق الشام سيحصل في مصر القاهرة؛ لأن حكومتنا السنية من أحرص الحكومات على تقدم أولادها إلى الآداب والمعارف والعلوم والابتعاد عن المنكرات ...»
185
وواصلت الجريدة هجومها بعد ذلك على فرقة القباني، فقالت في 26 / 12 / 1885، تحت عنوان «تياترو جنينة الأزبكية»: «... قد انبعث ذميم الأخلاق من هذه العصابة التي طوحت بها الأرياح الدمشقية نفيا للأقذار من أوديتها إلى هنا، حتى إنه في العام الماضي قامت على شاكلتهم بعض أبناء إحدى المدارس، ففطنت الحكومة لهذا الأمر وعاقبت ناظر تلك المدرسة ... ونحن نحن المصريين لا نرضى بأن يقام لدينا سفهاء البلاد الذين أخلاقهم كالجرب السريع العدوى، وهل في شرعة الإنصاف أن تقوم في بلادنا أمة طردت من بلادها لما نجم عنها الضرر العمومي زيادة عما يشوه وجه الشريعة الغراء ... وها نحن نستنهض همة نظارة الأشغال مؤملين منها أن أناسا مثل هؤلاء القوم يناقضون بأعمالهم آراء حكومتنا السنية وأعمالها بما يحاولونه من فساد الأخلاق والانحراف عن الطريق السوي.»
186
الممثل محمد بهجت.
ومن الغريب أن نفس الجريدة مدحت الفرقة بعد ذلك عندما بدأت التمثيل في الأوبرا في مارس 1886، كما طالعتنا الجريدة بأول قائمة كاملة لأعضاء فرقة القباني، وهم: أحمد أبو العدل، ومحمد عبد العزيز، وعلي عبد الوهاب، وإبراهيم أحمد، ودرويش البشبيشي، وأحمد المغربل، وعمر فائق، ويوسف فهمي، وإبراهيم رحمي، وعبد الخالق فكري، وحسن محمد، وعلي حسنين، وحسين أحمد، ومصطفى المحلاوي، والسيد الطنطاوي، ومحمد بهجت.
187
وتلقى الفرقة بعد ذلك فشلا ملحوظا بسبب قلة عدد الحاضرين من الجمهور؛ مما أدى إلى انقطاع أخبارها لأكثر من ثلاث سنوات، بسبب رحلاتها الإقليمية والشامية. وكان القباني «بصيرا، واسع الحيلة العقلية، موفقا بطبعه لإدارة المراسح. كان إذا رأى في الجمهور فتورا، ترك التمثيل وعاد إلى بلده ثم رجع، وما زال يغيب ويحضر وهو في كل آن يدخل شيئا من وسائل الإغراء للجمهور.»
ناپیژندل شوی مخ