تاريخ المسرح
تاريخ المسرح في العالم العربي: القرن التاسع عشر
ژانرونه
4
وإذا تطرقنا إلى نشاط مارون النقاش المسرحي، نجد أنه قدم مسرحية «البخيل» في بيته عام 1848، ودعا إليها قناصل البلدة ووجوهها، وفي بيته أيضا قدم مسرحيته الثانية «أبو الحسن المغفل» أو «هارون الرشيد»، وقد وصف لنا الرحالة الإنجليزي هذا الحفل بقوله: في بداية سنة 1850 قدم مارون النقاش مسرحيته، وقامت بتمثيلها عائلته - وهي عديدة الأفراد - وكان موضوع الرواية المعلن عنها «هارون الرشيد وجعفر» وهي مكتوبة ببيان عربي رفيع، تتخللها أشعار تنشد إنشادا ... أما المسرح فقد أقيم أمام البيت وكان على المثال الذي نحرص على تحقيقه في قاعاتنا التمثيلية. باب في الوسط تعلوه كوتان، وعلى جانب منه نافذتان، وكانت الكواليس في آخر الفناء ... كان هؤلاء قد شاهدوا في أوروبة أن المسرح له أنوار أمامية، وتقوم في مقدمته «كوشة» للملقن، فتوهموا أنها من لوازم المسرح الضرورية، فألصقوها حيث لا حاجة إليها ... أما الأزياء، فقد كانت تبدو، على الأقل، مطابقة للتاريخ. أما أدوار النساء فقد قام بها شبان ... نجحوا تماما في تنكرهم. ولما لم يكن بين الممثلين نساء، لم تقع عيني على امرأة بين الحضور، ولا في النوافذ المفتوحة المطلة على الحديقة ... وبالرغم من أن الحفلة كانت طويلة، بل طويلة جدا، لم يغادرها أحد من الحضور، بل كنت ترى على وجوههم أمارات البشاشة والمرح ... وما كاد الستار يسدل حتى رفع ثانية ليحيي الممثلون النظارة ويشكروهم، لا لأن أحدا من النظارة دعاهم إلى ذلك ... كان في التمثيل بعض الارتباك، كما كان الغناء رديئا، ولكن إخراج المسرحية، من الناحية الفنية، كان موفقا وقد دلت على مواهب كامنة عند المؤلف ... وبعد هذه المسرحية ... وبعد ما رآه مارون من التشجيع، حصل على فرمان عال بإنشاء مسرحه، الذي أقيم بجوار بيته خارج السور.
5
وكانت المسرحية الثالثة والأخيرة، التي كتبها النقاش، عبارة عن معالجة جديدة لمسرحية «طرطوف» لموليير أيضا، وقدمها بعنوان «السليط الحسود».
وكان مارون النقاش يؤلف المسرحية ويلحنها تلحينا يلائم مواقفها المختلفة. وقد وصف عمله ابن أخيه سليم النقاش، الذي حمل رسالته فيما بعد إلى مصر، قائلا: وقد جعل في هذا الفن تغييرا غير قليل، من أدخله إلى بلاد الشرق في اللغة العربية، وهو المرحوم عمي مارون النقاش. فإنه حين ساح في أوروبا ودوخ أقطارها، رأى حال الروايات عندهم، وما تجني منها بلادهم من الفائدة والانتفاع، فحملته الغيرة الوطنية والحمية السورية على إدخاله إلى بلاده. فعاد إليها وألف روايات لا ينتظر مثلها من مؤلف في فن لم يكن يعرفه غيره من أبناء وطنه، على أنه لا يستغرب من مثله. ولما رأى عدم ميل أبناء وطنه إلى هذا الفن المفيد نظرا لعدم معرفتهم بمنافعه، زاده فكاهة فجعله في الرواية الواحدة شعرا ونثرا وأنغاما، عالما أن الشعر يروق للخاصة، والنثر تفهمه العامة، والأنغام تطرب. ولا حاجة إلى ذكر ما تكبده من المصاعب والأتعاب في بادئ الأمر، حتى حمله الإعياء إلى القول في إحدى رواياته: إن دوام هذا الفن في بلادنا أمر بعيد. على أنه أجهد نفسه في جعل رواياته أدبية محضة؛ قاصدا بذلك تهذيب أبناء وطنه، فأتى بالمطلوب من الروايات؛ لأنها إنما تفيد إذا كانت أدبية، ترغب في الفضائل وتنهى عن الرذائل.
ومات مارون النقاش عام 1855، وهو أول المقتبسين من المسرحيات الفرنسية، وعمره لا يتجاوز ثمان وثلاثين عاما. ولقد أثر موت النقاش في تطور المسرح العربي، فلم يحرم المسرح من كاتبه الأول فقط، بل تحول المسرح الذي بناه بجوار بيته إلى كنيسة.
6
ومن الملاحظ أن شهادات المعاصرين لمارون النقاش تدل كلها على أصالة مسرحياته. ويمكننا أن نضيف إلى ذلك أنها لو لم تكن بهذه الأصالة لما حازت على ذلك النجاح في مدينة كانت العروض القادمة من أوروبا تفشل فيها.
كان فضل مارون النقاش بكل المقاييس عظيما؛ لأن عرضه ظل لسنوات كثيرة معيارا فريدا للمسرح العربي، سواء في النص الدرامي، أو في مبادئ الإخراج، وأصبح التوجه نحو الأدب المسرحي والمصادر الأدبية للبلاد الأخرى أمرا معتادا بالنسبة لأغلب الأشخاص الذين جاءوا بعده. فلم يقم هؤلاء بتعريب الموضوع ونقل مكان الأحداث إلى البلاد العربية فقط، ولم يبدلوا أسماء الشخصيات ويعدلوا النصوص الأصلية فحسب، بل كتبوا على أساسها أعمالا جديدة تماما تستجيب لأهداف وذوق المؤلف والجمهور العربيين.
7
ناپیژندل شوی مخ