ذكر ما اعتمده شمس الدين محمد بن قرمان التركماني في بلاد الروم
قد كنا قدمنا أن شمس الدين محمد بك بن قرمان ، ومن معه من التركمان اانحاز إلى السواحل منابذا متابعة أبغا ومشايعته (والروم) ، لما خلع شرف الدين ا بن الخطير ربقة الطاعة للتتر . فلما بلغه كسرة السلطان الملك الظاهر لعسكر المغل في االعاشر من ذي القعدة ، حشد وجمع وقصد أقصرا فلم ينل منها طايلا فرحل عنها وقصد قونية في ثلاثة آلاف فارس ، ونازلها فغلق أهلها أبوابها في وجهه ، فرفع على رأسه سناجق السلطان الملك الظاهر (التي سيرها مع أخيه علي بك من قيصرية) وبعث إليهم يعرفهم أن السلطان الملك الظاهر كسر التتر ، ودخل قيصرية فملكها وخطب له فيها ، وضربت فيها سكة الدراهم باسمه ، وأنه من قبله . فلم يركنوا إلى قوله، فأحرق باب الفاخراني وباب سوق الخيل ، ودخل قونية يوم عرفة الظهر ، وهو يوم الخميس ، وكان النايب بها إذ ذاك أمين الدين ميخاييل ، فقصد من معه داره ودارغيره من الأمراء والأسواق والخانات فنهبوها ، ثم إنهم ظفروا بأمين الدين فأخرجو الى ظاهر البلد وعذبوه حتى استأصلوا ماله ، ثم قتلوه وعلقوا رأسه داخل البلد ، ولما لمسلم أهل البلد القلعة رتب أن يلقى رجل شابا ، عينوه في الطريق ، فيرمي نفسه عليه ويقبل رجليه ، فيقول له الشاب : " من أين تعرفي؟" . فيقول له : "ما أنت علاءالدين كيخسرو بن عز الدين كيقباذ؟ آنسيت تربيتي لك وحملي لك على كتفي" ، وليكن ذلك بمشهد من العامة . فلما فعل ذلك ، وسمعت العامة ما دار بين الرجل والشاب فازدحموا عليه ، وإذا بجماعة من التركمان ، كان قد رتب معهم أنهم إذا رأواالعامة محدقين به ، ياخذونه من بين ايديهم ، ويحملونه إلى شمس الدين محمد بك . فلما فعلوا ذلك ، أقبل عليه وضمه إليه ، وعقد له لواء السلطنة، وحمل السناجق على ر أسه ، وذلك في اليوم الرابع عشر من ذي الحجة . فلما رأى أهل قونية ما فعلوه لاحملتهم المحبة في آل سلجوق على المتابعة والمبايعة . ثم إنهم نازلوا القلعة ، فامتنع من فيها من تسليمها ، فحاصروها حتى تقرر بينهم الصلح على تسليمها ، ويعطى من فيها سبعون الف درهم ، فدخلوها وأجلسوا علاء الدين فيها على تيخت الملك . ثم بلغ شمس الدين بن قرمان والتركمان أن تاج الدين محمد ونصرة الدين محمود ابنا الصاحب فخر الدين خواجا علي قد حشدا وقصداهم ، فسار إليهما وعلاء الدين معه ، فالتقى بهما على اق شهر ، فكسرهما ، وقتلهما ، وقتل خواجا سعد الدين يونس بن سعد الدين المستوفي ، صاحب أنطاكية ، وهو خال معين الدين البرواناة ، وقتلوا جلال الدين خسرو بك بن شمس الدين يوتاش بكلاربكي ، وأخذوا رؤوسهم ، وعادوا بهم إلى قونية في آخر ذي الحجة ، واستمروا بقونية إلى أن دخلت سنة ست وسبعين ، فبلغهم فيها أن أبغا وصل بعد خروج السلطان الملك الظاهر من الروم إلى مكان الوقعة ، فرحلوا عن قونية وطلبوا الجبال ، وكان مقامهم بقونية سبعة وثلاثين يوما .
مخ ۱۷۹