على عقاب الله وكان اسمه يومئذ عزازيل لعزه بالطاعة فعبد الله زمانا وبالغ حتى أعجب ذلك ملائكة السماء الدنيا فسألوا الله أن يرفعه اليهم ليفرحوا برؤيته فقرح المطيعين بالمطيعين وانس المحبين بالمحبين وقالوا طاعات جميع الارض لوقو بلت بطاعة واحد من أهل السماء الدنيا لرجح عمل ذلك الواحد على عمل هؤلاء وطاعات أهل السماء الدنيا وأهل الارض لوقو بلت بطاعة واحد من ملائكة السماء الثانية لرجح ذلك على عمل هؤلاء وكذلك كل سماء على هذا الاعتبار الى العرش ثم هم يسرّون بعمل أهل الارض ويتقرّبون اليهم فرفعه الله الى السماء الدنيا فاجتهد فيهم وزاد فى الجهد فنظر اليه أهل السماء الثانية فأعجبهم فسألوا ما سأل أهل سماء الدنيا ثم كذلك الى أن رفعه الله الى العرش واختلط بحملة العرش والطائفين حوله واجتهد حتى أكرم بخزانة العرش ودفع اليه مفتاحها فكان يطوف حول السموات ومعه مفتاح الجنة وكانوا يتقرّبون اليه ويتنادون فيما بينهم يا خازن الجنة ومقدّم أهل العبادة فلا اغترار بالبرّ فتحت كل برّ شرّ ولا اعتماد بالطاعة ففى كل طاعة آفة* وفى رواية أخرى لهذه القصة قال أبىّ بن كعب وجدت فى التوراة ان الجنّ بنى الجان كانوا قبيلة من الملائكة أنزلهم الله تعالى الارض وركب فهم الشهوة فتناسلوا وكثروا فصار واسبعين ألف قبيلة كل قبيلة سبعون ألف كردوس كل كردوس سبعون ألف نفس كلهم كانوا مطيعين مصلحين حتى مضى على ذلك زمان فاتفق أن واحدا منهم مرّ بأرض نبت فيها نبات رائق فأعجبه ثم مرّ به بعد أيام فاذا هو قد طال ثم مرّ به بعد زمان فاذا هو قد أورق ثم مرّ به بعد زمان فاذا له عناقيد وهو زرحون أعناب وقد أينع فتناوله فاذا هو حلو فعصره وشرب من عصيره وجعل ما بقى فى ظرف فأوكأه ثم طلبه بعد زمان فاذا هو قد اشتدّ ورمى بالزبد وسكن وصار مسكرا فتناول شيئا منه فأخذته الحميا فزاد حتى سكر وبسط ثم غلبه السكر فوقع فلما صحا أخبر أصحابه بذلك فذهبوا الى تلك الزراجين وأخذوا تلك العناقيد واعتصروا واتخذوا الخمور وشربوا واعتادوا ذلك حتى كثر فيهم السكر ووقعوا بذلك فى الزنا واللواط والقتل وسائر المحرّمات وأفضى بهم ذلك الى الكفر وكان ذلك كله بسبب الخمر ولقد صدق رسول الله ﷺ الخمر أمّ الخبائث وكان فيهم الحارث وهو اسم ابليس فى الابتداء وقيل كان اسمه عزازيل فاعتزل هو وألف نفس معه عنهم واجتمعوا فى موضع يعبدون الله وكثر فساد أولئك حتى شكت الارض الى الله منهم وسألت اهلاكهم فقال الله أنا حليم ولا أعاحلهم بالعقوبة حتى ألزمهم الحجة وانما يعجل بالعقوبة من يخاف الفوت والله تعالى يمهل ولا يهمل واذا أخذ فأخذه شديد وأمر الله تعالى عزازيل أن يرسل اليهم واحدا منهم ممن معه يدعوهم الى الايمان وترك العصيان فأرسل اليهم سهلوت بن بلاهت فأتاهم والى الاسلام دعاهم فغصوه وقتلوه فلم يزل يرسل واحدا بعد واحد من الالف وهم يقتلون حتى أرسل آخرهم وهو يوسف بن ياسف فقاسى منهم الشدّة فى طويل مدّة يدعوهم ويؤذونه ويداريهم ويخوّفونه حتى أغلواد هنا فى مرجل وألقوه فيه حتى هلك ولم يسلم أحد منهم ثم شكت الارض الى ربها وقالت نال عنادهم النهاية وبلغوا الغاية فاستحقوا العقاب واستوجبوا الاذهاب فبعث الله تعالى كردوسا من الملائكة بيد كل واحد منهم سيف أو حربة وكان يخرج من أفواههم النيران وأمّر عليهم الحارث فجاؤهم وقاتلوهم وكان الجنّ أولى قوّة وبأس شديد فقاتلوهم واشتدّ الحرب والطعن والضرب بينهم ثم ظفر الملائكة بهم وهزموهم الى المغرب وأرسل الله تعالى نارا فأحرقتهم وريحا فأذرتهم والى البحار فألقتهم هذا جزاء الكفر والكفران وعاقبة الذنب والطغيان* وفى معالم التنزيل ان الله خلق السموات والارض وخلق الملائكة والجنّ فأسكن الملائكة السماء وأسكن الجن فى الارض ويقال لهم بنو الجان فعبدوا الله دهرا طويلا فى الارض* وفى بحر العلوم
1 / 33