تاریخ جنون
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
ژانرونه
رفيق درب بينيل في تبنيه لمنظور قابلية الجنون للشفاء، وهو من أكمل الطبعة الأولى من بحثه عن العلاج المعنوي، إنه إسكيرول الذي كتب «بحوثا عملية» ترتكز على الممارسة التطبيقية. لقد أراد تناول الاستلاب العقلي «بوصفه أحد مواضيع الطب السريري.» ومن الجدير بالذكر أن إسكيرول افتتح عام 1817 في سالبيتريير محاضرة سريرية في الطب العقلي، توافد على حضورها طلاب العلم. كان إسكيرول أيضا قارئا لكتابات القدماء وبخاصة الفلاسفة الرواقيون، وأراد أن يجعل من نظرية الأهواء «طريقة جديدة لوضع الجنون في قلب الموضوع البشري.»
2
فالأهواء تشكل الحدث الأولي للاستلاب العقلي. ولمعرفة الجنون، لا بد من الرجوع إلى أصول الخلل؛ «بحيث يصبح مضمون الهذيان الأكثر استحواذا قابلا، على الأقل جزئيا، لأن يفك شفرته ويحلل رموزه أولئك الذين يعرفون كيف يكشفون لعبة العلاقات والروابط وما يترتب عليها من آثار.»
كما هي الحال بالنسبة إلى بينيل، يعد الهوس (الذي يمثل دوما الجنون بامتياز) «حالة عصبية بحتة». فلا توجد أي آفة عضوية، ومن هنا تتجلى ملاءمة العلاج المعنوي. ومع ذلك، يعد إسكيرول وبينيل «من أنصار النظرية العضوية»، على غرار عصرهما. «الأهواء تنتمي إلى الحياة العضوية، ويشعر الإنسان بانطباعاتها في المنطقة الشرسوفية أسفل المعدة، وسواء أكان ذلك بشكل أساسي أم ثانوي، يكمن مستقرها هناك.» في الجدال الكبير حول الأصل التشريحي الباثولوجي للجنون، انتصر علماء التشريح (أو «مؤيدو النظرية العضوية»): فقد شكلت أعمال جال ركيزة أولية للمذهب التشريحي. فرانز جال (1758-1828) - طبيب من فيينا - هو مؤسس علم فراسة الدماغ، وهو علم جديد يقوم على أساس أن الدماغ يتألف من أجهزة خاصة بقدر ما يوجد من ميول ونزعات، ومشاعر وملكات عند الفرد. وبناء على ذلك، فإن أشكال الجمجمة، التي يفترض تطابقها بشكل وثيق مع محتواها، تتيح، من خلال إجراء قياسات معقدة ودقيقة (نطلق عليها عملية «تنظير القحف»)، «قراءة شخصية الفرد» (ومن هنا جاء تعبير «لديه نتوء ...» بمعنى لديه موهبة). وهكذا عكف أطباء الأمراض العقلية على البحث عن نتوء الجنون (وهو ما جرى ربما فيما بعد بشأن البحث عن النتوء المسئول عن الجريمة، كما تجلى ذلك من خلال المجموعة المثيرة للاهتمام المحفوظة بكلية الصيدلة بكاين، التي تضم قوالب جماجم لأشخاص أعدموا بالمقصلة). ولقد عملت السلطات في فيينا، في مطلع القرن التاسع عشر، على الحيلولة دون انتشار «معتقد الدماغ» هذا؛ لأنها كانت ترى أن هذه النظرية قد تؤدي إلى «تقويض أسس الدين ونشر المادية.» ولكن، بمساعدة سبورزهايم (1776-1832)، تمكن جال، الذي استقر في باريس، من نشر أطروحته بشأن المراكز الدماغية المرتبطة بالوظائف المختلفة. وتشارك كل من جيوم فيريس، وفيليكس فوازن (1794-1872) - عضو مؤسس بجمعية فراسة الدماغ - وفرانسوا بروسيه (1772-1838)؛ الافتتان نفسه بهذا المذهب.
ولقد نشر بروسيه في عام 1828، قبل أن يصبح من أنصار علم فراسة الدماغ، كتابا بعنوان «التهيج والجنون»، يرتكز على مذهب فسيولوجي مفاده أن الجنون ينشأ عن التهاب في الدماغ وفي أغشيته؛ تارة لأسباب معنوية، وتارة لأسباب «سمبثاوية (أو ودية)» منتشرة بفعل التواد والتأثر بإصابة عضو آخر؛ لأن «الدماغ لا يعاني أبدا وحده»؛ مما يبرر نظرية الخثلة (في حالة «تهيج الجهاز الهضمي»). وقد حذا حذوه كل من سيبيون بينيل، وألكساندر بريير دي بواسمون (1797-1881)، مؤلف أطروحة مهمة نشرت في عام 1845 بعنوان «هلاوس».
بيد أن تفرد «الشلل العام»،
3
ذلك التناذر المرضي الذي يدخل ضمن دائرة اختصاص الطب النفسي العصبي، هو ما أدي فيما بعد - على وجه الخصوص - إلى تأييد نظرية الأصل العضوي للأمراض العقلية. كتبت شهادة ميلاد الشلل العام في عام 1822، تحت اسم «التهاب العنكبوتية المزمن»، في الأطروحة التي دافع عنها أنطوان لوران بايل (1799-1858)، تلميذ أنطوان أثاناز رواييه كولار، في شارنتون. «أكون قد حققت الهدف الذي أصبو إليه إذا استطعت أن أثبت في هذا الجزء من عملي أن التهاب العنكبوتية المزمن موجود بالفعل، وأنه سبب الإصابة بالاختلال العقلي المترافق بأعراض.» في دراسة جديدة نشرها عام 1826، اختزل بايل بشكل أساسي أعراض التهاب العنكبوتية المزمن في الإصابة بشلل عام غير مكتمل وخرف يتميز في المقام الأول بجنون العظمة. وبينما كان إسكيرول وإيتيان جان جورجيه لا يزالان يدافعان في سالبيتريير عن نظرية الثنائية (الشلل والخرف مقترنان ولكنهما يشكلان مرضين مختلفين)، أقر بايل وكالميل في شارنتون، وبارشاب في سان يون، تصورا أحاديا (فالشلل والخرف ليسا سوى مرض واحد). وهكذا، أصبح «الخرف المصحوب بشلل» أو «الشلل العام» معزولا. ولو لم يسارع أنصار النظرية العضوية إلى الاستحواذ عليه ليجعلوا منه النموذج المثالي للمرض العقلي العضوي، لأمكننا إضافته إلى قائمة توصيف الأمراض النفسية التي كانت آنذاك قيد الإعداد. فلأول مرة، عثر على آفات محددة في الدماغ!
بعد مورو دي تور (1804-1884)، الذي كان يعد الجنون «آفة عصبية بحتة وبسيطة»، انتصر، ولمدة طويلة، مؤيدو النظرية القائلة بأن الإصابة بالجنون ترجع إلى سبب عضوي بالضرورة؛ مما يعني أن «الوظيفيين»، المعارضين للعقيدة القائمة على النظرية العضوية، هم قلة قليلة. نذكر من بينهم لوريه وآرشامبو. نشر هذا الأخير عام 1840 - فيما كان يتردد على القسم الذي يعمل به إسكيرول - الترجمة الفرنسية للبحث الذي كتبه إيليس الإنجليزي.
4
ناپیژندل شوی مخ