256

تاریخ جنون

تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا

ژانرونه

جعله متضمنا للخطر النفسي منطقيا. «وكتب بوريس سيرولنيك

77 - دون أن ندري بالضبط من أين له هذه الإحصاءات المماثلة - أن شخصا من كل اثنين في نهاية حياته يكون قد تعرض لحدث يمكن وصفه بالصدمة النفسية، أو خضع لعنف ما جعله يقارب الموت. وأن هناك شخصا من كل أربعة أشخاص قد يتعرض لعدة نوبات من الهذيان. وأن هناك شخصا من كل عشرة أشخاص لن يتمكن من التخلص من آثار هذه الصدمة النفسية.» وهذا بالطبع عدد كبير، إلا أن الطب النفسي موجود في كل مكان، حتى وإن ألمحت عالمة الاجتماع ديلفين مورو «أنه بدأ يتراجع على ساحة التصور العام، ليغوص في أشكال غير مرئية.»

78

الخاتمة

ليس بالإمكان اختتام هذه الدراسة؛ لأن تاريخ الجنون لم ينته، وعلى الأرجح لن ينتهي إلا بانتهاء تاريخ الإنسانية نفسها. هذا ما نأمله على الأقل. تتبادر إلى ذهننا تلك العبارة الجميلة التي صاغها جيرارد بايل، رئيس جمعية التحليل النفسي في باريس: «الحياة مرض يشهد نموا متزايدا.»

على أي حال، فلنراهن على أن الجنون سيصبح من الصعب للغاية القضاء عليه - إلا إذا ثبتت بالقطع صحة النظرية القائلة بأن منشأه عضوي بحت - تماما كالقتلة العظام المتجسدين في أمراض القلب والأوعية الدموية والأورام السرطانية. كان إسكيرول يتهكم في بعض الأحيان قائلا: «اشرحوا لي كيف يفكر الإنسان تفكيرا عقلانيا، وسأقول لكم كيف لا يفعل ذلك!» وعلى الرغم من جميع الآثار المترتبة على الإعلان عن الإنجازات التي تم تحقيقها في مجال التعرف على المخ وعلاقاته بالفكر (فسيولوجيا المعرفة)، فهل صرنا نعرف كيف يعقل الإنسان أكثر بكثير مما كانت عليه الحال في زمن إسكيرول؟

إن هذا الجنون الشبيه بالضفدع المبرقش ذي الأشكال الجذابة المراوغة التي يصعب الإمساك بها، لم يكف عن إدهاش العالم على امتداد القرون. كيف سيبدو الجنون بعد مائة عام؟ أو بعد خمسة قرون؟ هذا هو ما سيكون من الشائق معرفته! في الخامس من أبريل 1877، كتبت صحيفة التايمز، مبدية مخاوفها إزاء تزايد عدد الاعتقالات، ما يلي: «إذا استمر الاستلاب العقلي في النمو على هذا النحو، فسرعان ما سيصبح المجانين هم الأغلبية، وعندئذ لن يكون أمامهم، بعد أن يقوموا بتحرير أنفسهم، إلا احتجاز ذوي العقل السليم.» ومع تقلص جدران المصحة، بات سيناريو جديرا بالعالم الشمولي الأورويلي، وهو بالطبع أقل عبثية؛ حيث ستضع الصحة العقلية - ذلك القادم المدعو كنوك - الجميع في فراش المرض، ونقصد بذلك إخضاعهم لمؤثرات نفسية من خلال تناول بعض العقاقير أو على الأقل وضعهم تحت مراقبة نفسية. ألم نتحدث بالفعل، وبجدية هذه المرة، عن «صحيفة الحالة النفسية»؟ «فالمجنون يجد دائما شخصا أشد جنونا منه يفقده صوابه ويثير جنونه»، على حد قول أندريه بلافييه. في خريف 2008، قدم فيليب كولين برنامجا جديدا على قناة فرانس إنتر الإذاعية: «هلع في الوزارة النفسية»، كان برنامجا فكاهيا، ولكن إذا تأملنا قليلا في العنوان، فسنجد أن «الوزارة النفسية» يبدو كتعبير له رنة مستقبلية.

يطيب لنا التحدث عن «الدروس المستفادة من التاريخ» (يرى سيوران أن التاريخ يعطينا «أعظم درس يمكن تخيله في السخرية.» علاوة على ذلك، بالنسبة له التاريخ لا معنى له، وإنما هو مجرد مجرى للأحداث). ومع ذلك، إذا أردنا الاعتراف بأن تاريخ الجنون يمثل تاريخ أخطائه المتعاقبة، فيمكننا على الأقل أن نستخلص من ذلك درسا عظيما في الحذر. وهنا نتذكر شارل ديسلون، حين كان يتحدث عن المغناطيسية الحيوانية، و«طب الخيال». بخلاف الأمراض الأخرى، التي تقتادنا فيها معرفة المرض وبالتالي الاستجابة العلاجية، حتما ولكن بصعوبة أحيانا، من الظلام إلى النور؛ أقل ما يمكن أن يقال عن الجنون، هو أنه لا يسير وفق نظام خطي؛ ولذا فهو جنون. تداخلت العديد من الثقافات مع الجنون، ومن ثم ينبغي قياس يقينيات اليوم في ضوء يقينيات الأمس - ولا سيما أنها قد تكون هي نفسها في بعض الأحيان!

ها قد استعرضنا الماضي، وهو ماض سحيق بالفعل، بما أننا رأينا أن الجنون تمت معالجته ودراسته (بالترتيب ذاته) منذ بدايات العصور القديمة، وإنه ليكون خطأ معرفيا (إبستمولوجيا) فادحا أن نقلد تاريخ الجنون وتاريخ الطب النفسي. ولكن، ماذا عن اليوم؟ لقد رأينا اليوم أنه يتم الجمع، على نحو مثير للمفارقة، بين الطلب الذي لا يكف عن التزايد فيما يتعلق بصحة العقل والالتباس الكبير في المقاربات. ولم تعد ممارسة الطب النفسي تحتذي بأي نموذج. بالطبع، لم يحل هذا دون تطور التقنيات الحديثة في الرعاية، بل على العكس تماما. وبطريقة ما، يظل الطب النفسي في عصرنا الحاضر علما تجريبيا، حتى لا نقول إنه ما زال يتحسس خطواته ويتلمس طريقه. وأخيرا، علينا أن نتذكر ذلك التأمل الرائع لسينيكا: «ليس معنى أن الطب لا يشفي كل شيء، أنه لا يشفي أي شيء.»

ينبغي أن نتساءل عما إذا كانت إشكالية الجنون قد أصبحت تدور من الآن فصاعدا حول معرفة أين هو بالضبط مكان الإنسان داخل هذا السياق - أو على الأقل التساؤل بهذا الشأن. في عام 1988، نشر صديقنا المأسوف عليه إدوارد زاريفيان (1941-2007) كتابا بعنوان «بستانيو الجنون».

ناپیژندل شوی مخ