تاریخ جنون
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
ژانرونه
باختصار، كان الأمر يتعلق بإعادة تقديم «الشخص الكامل» داخل التشخيص. «تم تطوير الدليل التشخيصي النفس-حركي بناء على فكرة أن وجود تصنيف نافع إكلينيكيا يجب أن يبدأ بفهم طريقة عمل العقل السوي. فالصحة العقلية تتضمن ما هو أكثر من غياب الأعراض، بل تشمل السير العقلي العام للشخص بما في ذلك علاقاته وثباته الانفعالي وقدراته على التكيف ومراقبة ذاته. فكما أن صحة القلب يجب ألا تعرف فقط بأنها غياب الألم في الصدر، فإن الصحة العقلية تتجاوز غياب الأعراض التي يلاحظها الطب النفسي الباثولوجي. ويشتمل هذا على مجموعة كاملة من القدرات البشرية المعرفية والانفعالية والسلوكية.»
20
أزمة أم انهيار؟
لم تكن أزمة الطب النفسي - التي فجرتها هوجة مناهضة الطب النفسي - إلا البداية. وتعددت التساؤلات التي تطرح منذ الثمانينيات، والتي يمكن تلخيصها في الآتي: هل اتخذ الطب النفسي بداية خاطئة؟
عام 1984، قام كل من مارسيل جوشيه (فيلسوف) ومارسيل جاجير (عالم اجتماع) وجلاديس سواين (طبيبة نفسية) - الذين كانوا في محور الصراعات المناهضة للطب النفسي ولكن يمكن اعتبارهم من «غير المنحازين» (ولقد واتتنا الفرصة قبلا للتوقف عند كتاب «ممارسة العقل البشري» الذي نشره جوشيه وسواين عام 1980) - بالرد بوضوح على هذا التساؤل العصيب، مع ملاحظة «الصمت المستسلم» للأطباء النفسيين، متسائلين عن أسبابه.
21
ورأوا فيه في البداية «انهيارا للخطاب المعارض السائد وموتا لليسارية الثقافية التي كانت حركة مناهضة الطب النفسي تمثل أحد وجوهها الأساسية.» كانت مناهضة الطب النفسي هذه «هي الأيديولوجية التي باسمها تم اعتماد التحليل النفسي الذي يمارسه غير الأطباء مع الجمهور ودخوله إلى مجال الرعاية الطبية النفسية.» ويؤكد المؤلفون أن هذا التحليل النفسي «تخرج ممارسته عن أي إطار تنظيمي». كما بدا لهم البديل للعلاج النفسي التحليلي في هذا العصر في حالة تراجع داخل المهنة وعلى مستوى الرأي العام (وهو ما ليس صحيحا تماما في ذلك الوقت، وإن حدث لاحقا). كان «الجنون هو محور الأحداث، ولكنه لم يعد كذلك».
وعلى نحو مثير للمفارقة، في العقدين الأخيرين من القرن العشرين، أسف العديد من الأطباء النفسيين القدامى لاختفاء الطب النفسي كنظرية وليس كخطاب. لم يعد هناك خصوم ولا مؤسسات لتحاربها، بل إن عددا كبيرا من مطالب حركة مناهضة الطب النفسي دخلت بالفعل حيز التنفيذ، قاطعة بذلك الصلة بين السياسة والصحة، ومحولة موضوعيا الأفكار الثورية إلى حركات إصلاحية. ذهب الهدف الأساسي، فقد شهد هذا العصر رواج أفكار الانحدار. أما الأقل تشاؤما فكانوا يكتفون بالإشارة إلى عوامل تدمير الطب النفسي: عدم المساواة في الرعاية داخل الخدمات العامة، وتوجه العناصر الجيدة في الطب النفسي إلى التحليل النفسي، وانخفاض الإنفاق على الصحة؛ فقد كانت الفكرة السائدة، هي أنه «من بين جميع أنواع الطب، كان الطب النفسي في أضعف موقف للمقاومة»
22 (بسبب أن بنيته نفسها كانت تتعرض لانتقادات شديدة من داخل المهنة ذاتها).
واليوم، على الرغم من موته المعلن، فإن الطب النفسي لا يزال موجودا، لا يزال موجودا كما أن الجنون لا يزال موجودا. تماما كما في عرض مسرحي، حينما يتم تغيير الديكور أمام ناظرينا، يكون التغيير كبيرا لدرجة أنه يمكن أن نقول بطريقة ما إن الديكور «اختفى»، لكن سريعا ما يولد من جديد. كذلك الطب النفسي؛ فلقد تعدد وتنوع واختلفت طرقه، ولكن لا تعبر إحداها بمفردها - مهما ادعت - عن المجال بأكمله. أصبحت الانتقائية هي السائدة.
ناپیژندل شوی مخ