تاریخ جنون
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
ژانرونه
44
وإن النمطية «ليست دليلا على الصحة العقلية.» وتخلط حركة مناهضة الطب النفسي بين مفهومين مختلفين. «أن مثل هذا المزيج الموجود لدى ميشيل فوكو - الذي لم يعرف عن الجنون سوى حوار مع الأرشيف - ليس مفاجئا. ولكن أن يتمكن الأطباء النفسيون - لعلهم كانوا من المناهضين للطب النفسي - من التجاوز عن مشاهد الاقتياد إلى الموت، وأن يسدوا آذانهم عن سماع شكاوى اليأس؛ هذا ما يثير العجب!» ويقارن ستولمان مناهضة الطب النفسي بأزمة المراهقة: الميل إلى العقلانية ورفض النظريات والزهد والنرجسية وطفرات الهوية ... «أقول في النهاية إنه يجب الاعتراف بأن مناهضة الطب النفسي تمتلك أسبقية؛ فهي تجري تحقيقا مع كل منا بعنف رقيق. فعندما تكون معارضة الطب النفسي نقدا جذريا للمؤسسة، أكون مناهضا للطب النفسي، ولكن عندما تحتمي وراء نفي وجود المرض العقلي، أعارضها.»
وأثناء نفس الندوة - التي لم تتصدر بالطبع الصفحات الأولى في الجرائد التي كانت تذكر بالكاد حركة مناهضة الطب النفسي الغامضة - ندد هنري موريل - عضو جريدة تطور الطب النفسي - من جانبه بسخافة المصطلح الجديد «مناهضة الطب النفسي». ويتساءل، فماذا يفعل كوبر بازاليا إذن إذا لم يكن الطب النفسي؟ بالطبع هم مصلحون ومجددون، ولكنهم يبقون في النهاية أطباء وأطباء نفسيين. أما إنكار وجود المرض النفسي وقصره على كونه «منتجا ثقافيا»، فهذا تراجع كبير: «أمن الضروري التذكرة بأنه منذ زمن طويل قد وعى الأطباء النفسيون أن القضية التي يطرحها الجنون ليست معرفة ما إذا كان المريض الذي يهلوس محقا أم لا، أو إذا كان المريض بالغيرة المرضية مخدوعا فعلا أم لا، أو أن المصاب بوسواس المرض مريض بالفعل بأي إصابة باطنية أو قلبية؟»
45
ويستكمل موريل حديثه بأن مناهضة الطب النفسي ليست سوى نوع من التناقض: «فنفي الجنون يرتبط عادة - في مضمون مناهضة الطب النفسي - بالاعتراف به. فبعد تفكيك «أسطورة المعيار الطبيعي»، نال الجنون حقه بشرط أن يصبح في مصاف القيم. بينما تميل مناهضة الطب النفسي - تحت غطاء التنديد بالعنف - إلى تحويل مجال الطب النفسي إلى مجال ثوري.» باختصار، يجب إزالة الأوهام حول مناهضة الطب النفسي. «فهناك تيار من المثالية والتصوف والتنبؤ والرومانتيكية والعقلانية المشوبة بجنون العظمة بدأ يسري في «مملكة» مناهضة الطب النفسي البائسة.»
بالنسبة إلى هنري إي، فمناهضة الطب النفسي ليست سوى احتجاج على الطب النفسي السيئ. «ولكن بإصرارها على الرفض المطلق، تتحول إلى أيديولوجية أسوأ من أساطير الطب النفسي التي تنتقدها؛ لأنها بذلك لا تناقض خطاب الطب النفسي الرديء، وإنما طبيعة المرض العقلي نفسه.» ومرورا، يتساءل إي بخبث، لماذا لا نتحدث عن «مناهضة علم النفس» أو «مناهضة علم الاجتماع» - مشيرا بذلك إلى هؤلاء الذين انكشفوا بوضوح. «الطب النفسي لا يمكن أن يكون سوى فرع من الطب؛ لأن المرض العقلي ليس ظاهرة ثقافية، وإنما أثر ارتباك وتفكك الكائن نفسيا.»
46
اتخذت حركة مناهضة الطب النفسي أوسع مدى لها داخل المصحة النفسية ذاتها على يد ممارسين كانوا - من دون أن ينكروا وجود الجنون الذي يواجهونه يوميا (نتحدث عن المرض العقلي دون أن يكون سبق لنا رؤية مريض)
47 - يعارضون جذريا الطب النفسي بالطريقة التي يمارسونه بها، والذين يجبرهم المجتمع (الرأسمالي) عليها. وإذا جاز القول، فإن الأطباء الإنجليز هم من كانوا في الطليعة. كان ديفيد كوبر (1931-1986) يدير في البداية وحدة تجريبية للفصاميين تسمى «الجناح 21» بمستشفى شيلي بلندن من عام 1962 وحتى 1966. واجتمع فيه فريق علاجي - بعيدا عن أي ترتيب طبقي وبإلهام من ماكسويل جونز - أطباء وممرضون ومرضى. إلا أن عداء الجهاز الطبي والنزاعات الدائمة مع إدارة المصحة، بالإضافة إلى إنهاك المعالجين نفسيا، قد سارع بوضع نهاية لهذه التجربة الرائدة. اعتقد كوبر أن الجنون ليس مرضا عقليا، وإنما تجربة شخصية واجتماعية، «حالة معدلة من الوعي»، أو «رحلة» يجب اتباعها.
48
ناپیژندل شوی مخ