تاریخ جنون
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
ژانرونه
ولكنه في النهاية «حوار بين قسمين من المجتمع أكثر منه حوارا بين فردين.»
31
إلا أن هذين العالمين يشكلان جزءا من نظام عالمي. «النظام الذي نسميه نظام العقليات الطبيعية يعد جزءا لا يتجزأ من عالم الجنون [...] فنحن نحمل جميعنا داخلنا تلك الهوة التي قد تبتلع عقلنا (حسب التعريف المتفق عليه اجتماعيا)، ليمثل الجنون ظهور هذه الميول الدفينة الموجودة لدى كل البشر [...] أي إننا نشعر جميعا داخلنا بخلجات الآخر المظلم الذي يسكن فينا.»
32
هذا الجنون، الجنون الذي يعتبر كبش فداء لمجتمع العقل، قد بلغ ذروته مع أطروحة ميشيل فوكو عام 1961. لم يرد فوكو أن يكون مؤرخا ولا مناهضا للطب النفسي ، ولكنه أصبح كذلك بصفته امتدادا لنظريات ساس في فرنسا (على الرغم من أنه لا يقتبس عنه أبدا): «لم يكن الطب هو من وضع حدودا بين العقل والجنون، ولكن منذ القرن التاسع عشر والأطباء أصبحوا مكلفين بمراقبة هذا الخط الفاصل بيقظة.» بعد كتابه «الجنون والحماقة» عام 1961، استأنف فوكو في محاضراته بكلية فرنسا تدريس نظرياته المضادة «لسلطة الطب النفسي».
33
وظل الجنون - أو العلاج الإكلينيكي للجنون - «نوعا من التخصص» يختلف عن أي تخصص آخر بسبب «طابعه الطبي». «فلم يعد هناك مكان للقراءة الرومانتيكية (أطروحة عام 1961) التي ترتكز على تاريخ الظواهر وأزمة الحدود التي يمثلها الجنون بكونه تجسيدا «لعدم التعقل»، بل القراءة المناضلة تستخرج جذور «التخصص» الذي كان يسمى بالطب العقلي، بكونه نظاما لا يتوقف شكله - وهذا هو قلب المحاضرة - على ظهوره في كافة مناحي الحياة الاجتماعية كنموذج مميز للسلطة وعلى بقائه بعد تدهوره كنمط طبي نفسي، في ظل حالة من التعميم لوظيفة «الطبيب النفسي» في المدرسة وفي القضاء ... إلخ.»
34
ومرة أخرى، لم نكن لنركز انتباهنا في هذه النقطة على فوكو، لو لم يكن يحتل اليوم تقريبا كل الساحة التأريخية للجنون. فلا يوجد اليوم كتاب عن تاريخ الجنون أو قاموس أو موسوعة إلا كتب فوكو، وهذا ليس أقل مفارقة من أن نراه يتحول في النهاية إلى المؤرخ الرسمي للجنون. وباستثناء بعض المحاولات التي تعنى بتحليل «فوكو والجنون»
35 - وهو ليس بالأمر الهين - يظل الباقون في أغلب الأحوال متقبلين لآرائه. «يعتبر ميشيل فوكو الفيلسوف الأكثر أهمية في عصرنا [...] فهو معلم لا يضاهيه أحد في فن الكشف عن كافة آليات السلطة. ولم يتجنب نقده، الذي هدم كافة علاقات السيطرة والقمع والسلطة، الطب النفسي التقليدي ولا عنف السجن ولا جو الاعتقال ولا علاقة الإنسان بالجنس في المجتمعات الحديثة [...] الجنون في البداية: فلقد أعاد فوكو للمحتجزين بالآلاف الذين يملئون مستشفياتنا النفسية صوتهم وعباراتهم وحواراتهم. فقد كان المجنون - مثله مثل الطفل أو المرأة - لمدة طويلة محروما من اللغة والكلام. فجاء فوكو ليعيد إليه صوته [...] بإتاحته فهم العلاقة بين العقل وعدم التعقل، ظل كتابه «تاريخ الجنون» يبدد الأوهام حول موضوع العنف في المستشفيات النفسية الذي كان يتم تبريره بادعاءات علمية. وتعد أعماله قراءة واعية ودرسا لا يزال صالحا لعصرنا هذا، في وقت كان كلام المجنون يظل دائما دون صدى، ويظل سؤاله دون إجابة. جاءت أعمال فوكو لتبحث بعمق وتحطم سطح ظاهرة الاحتجاز لأسباب نفسية. وليس من العجيب أن تساؤل فوكو حول السلطات قد بدأ بتحقيق حول الجنون؛ لأن الجنون ذا المعايير المحددة إنما هو نتاج جميع أبنية الطب العقلي وجميع حالات الإقصاء وجميع القيود وكل أنواع الرفض والحصار.»
ناپیژندل شوی مخ