217

تاریخ جنون

تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا

ژانرونه

وهكذا، تكون تفسير شامل للجنون من منظور علم الاجتماع، في الوقت الذي كانت العلوم الإنسانية تفرض نفسها بقوة في الجامعات. وكثيرون هم الرواد في هذا المجال. ومنذ ذلك الحين، كرس أدولف ماير (1866-1950) - عالم الأعصاب السويسري المهاجر إلى الولايات المتحدة عام 1890 - نفسه لدراسة طب الأمراض العصبية والنفسية. ولكنه كان معارضا لتصور كرابلين عن كيان الأمراض، وكان يدرس أن الاضطرابات العقلية إنما هي طرق غير ملائمة للتفاعل مع المواقف المختلفة، وأن العلاج النفسي يجب أن يقوم على مساعدة المريض على التأقلم بصورة أفضل. في إنجلترا، بعد الحرب العالمية الثانية، كان ماكسويل جونز - أحد رواد الطب النفسي الاجتماعي - يدرس من جانبه أن المرض العقلي يجب ألا يعد مطلقا مجموعة من الأعراض، وإنما «المورد الأخير لفرد ينقصه الدعم الاجتماعي المناسب ويعجز عن مساعدة نفسه.»

27

ومبكرا، اقترح ما يسمى ب «المجتمع العلاجي» كحل ليكون نموذجا نظريا وأداة عملية في ذات الوقت (مثل سيفادون وأوري وتوسكيل في فرنسا ). ويقوم الأمر - وسنرجع إليه لاحقا - على تحويل تنظيم المصحة لكي نضمن أن يكون هناك دور لكل فرد؛ المعالج والمعالج في المشروع العلاجي.

ولن يكون البحث عن أسباب الجنون «داخل» الفرد وإنما خارجه. (بالنسبة إلى ليفي ستروس، فإن المجنون - خارج مجتمعاتنا - يمثل بالفعل الملمح الأقل أهمية من نظام الجنون.) وعلى عكس التصور الفردي الذي يؤكد على الشخص المريض، لم يعد الجنون موجودا داخل الشخص، وإنما داخل نظام العلاقات والبيئة المرضية التي تحيط به. «علمتني خبرتي الإكلينيكية أن الفرد يصاب بالفصام جزئيا بسبب الجهد المتواصل - بنسبة كبيرة في اللاوعي - الذي يبذله المحيطون به لجعله مجنونا» (سيرلز، محلل نفسي أمريكي).

28

كان هذا هو العصر الذي ارتسمت فيه صورة والدي الفصامي الشاب: «أم متحكمة عاطفيا ومبالغة في الحماية بنفس قدر إبعادها لابنها، بينما يكون الأب ضعيف الشخصية وسلبيا ومنشغلا أو مريضا أو «غائبا» بشكل أو بآخر كعضو حقيقي في العائلة.» وبالتالي، تنتج الكثير من حالات الذهان ليس بسبب انقطاع العلاقات الأسرية، بل بالعكس بسبب توطدها الزائد. ويضيف رولاند جاكار: «من بين المحللين النفسيين الفرنسيين الذين درسوا طريقة سير العائلات الذهانية، يجب أن نفرد مكانا خاصا لفرانسواز دولتو، التي وصفت كيف يشكل الوالدان زوجا عصابيا منطويا على ذاته، يهتمان فقط بتنشئة أولادهما ماديا، «فيعملان» و«يربيان» فقط. وكأن أطفالهما ليسوا إلا ثمرة رغبات يخجلان منها ولا يعترفان بها. فيربيانهم في جو من السخافة والفزع من الجنس الذي يكبتونه بعنف، شاعرين بالذنب الدائم إلى درجة خطيرة؛ لأنه لم يكن لديهم والدان يسمحان لهما بالتعبير عن الرغبة الجنسية بفخر.»

في جميع الأحوال، ليس المريض هو الذي في حاجة للطب النفسي، بل الأسرة والمجتمع، ذلك المجتمع غير الإنساني الذي ندد به المناهضون في فترة الستينيات. ويقول جورج ديفرو (1908-1985) - رائد التحليل النفسي العرقي: إن الفصام وضياع الهوية إنما يتسبب فيهما المجتمع الذي هو ذاته مضاد للهوية محاولا تفكيك أي كيانات. باختصار، المجتمع هو الذي يعاني من الفصام. «المرض العقلي ليس كيانا في ذاته، فلا وجود له؛ لأنه ينتج عن المواجهة بين فردين، يقدم أحدهما ألغاز اضطراباته، ويحاول الآخر تفسيرها.»

29

فالمرض العقلي «شيء يدور بين المريض والطبيب»،

30

ناپیژندل شوی مخ