تاریخ جنون
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
ژانرونه
كانت هذه هي الحال وقت الاكتشاف الثوري لأول مضاد للذهان، في سياق من المعارف الخاصة بالفسيولوجيا العصبية، ولا سيما الوسائط العصبية (مواد كيميائية عضوية تطلقها الخلايا العصبية وتخلق «وسطا» كيميائيا يؤثر على وظائف خلايا عصبية أخرى). ولقد بدأ هذا الاكتشاف السرنديبي بعملية تركيب الفينوثيازين من كلورور الميثيلين عام 1883. كان الفينوثيازين يستخدم في البداية كمبيد للحشرات؛ للديدان (لمكافحة الطفيليات المعوية في الطب البيطري). وبعد ذلك، في عام 1937، اكتشف أن بعض مشتقات هذا الجزيء تمتلك خواص مهدئة ومضادة للهستامين (والهستامين مادة تفرز من العضو المصاب، مثل حالة الحساسية). كان الفينيرجان يستخدم كمضاد للهستامين منذ عام 1940 على يد الطبيبين النفسيين جيرو ودوميزن؛ لقدراته المهدئة في حالات هياج المرضى. وهناك أنواع أخرى من الفينوثيازين تستخدم في مجال علم الأعصاب بسبب خواصها المعالجة لمرض الشلل الرعاش (باركنسون)، ولكن دون أن يكون هناك تفسير لطريقة عملها. عقب الحرب العالمية الثانية، أصبحت دراسة آثار مشتقات الفينوثيازين الهدف الرئيس للباحثين. خلال حرب المحيط الهادئ ، كان الأمريكيون قد بدءوا بالفعل في دراسة الفينوثيازين ومشتقاته في إطار أبحاثهم لمكافحة الملاريا، ولكنهم تركوها عام 1944. في عام 1949، استخدم هنري لابوريت (1914-1995) - الجراح التابع للبحرية في موقع فال دي جراس - أحد مشتقات الفينوثيازين لتجنب صدمة الجراحة، وهو الكلوربرومازين، من خلال «شراب محلولي» يعطى للتخدير ويتسبب للمريض في «حالة من اللامبالاة بما حوله». اختبر لابوريت في البداية الكلوربرومازين على أحد زملائه الأطباء الذي شعر «بحالة من الانفصال عن كل ما حوله».
ولكن كل هذا ليس إلا استخدامات تجريبية محدودة، حتى وإن كان لابوريت هو رائد ومحرك علم الأدوية النفسية في المستقبل. ولكن اختلف الأمر في السادس والعشرين من مايو 1952، عندما نشر طبيبا علم النفس العصبي جان ديلاي (1907-1987) - أول رئيس مؤتمر وطني للطب النفسي عقد في باريس قبل عامين - وبيير دينيكر (1917-1998)؛ نتائج أول سلسلة من عشرين حالة مصابة بالذهان الحاد عولجت فقط بالكلوربرومازين.
1
وبدا الكلوربرومازين - كعلاج ممتد - يؤثر تحديدا على بعض المظاهر الذهانية، ولا سيما الهلاوس. وكان علاج حالات الذهان الحادة في قلب اهتمامات الأطباء النفسيين في ذلك العصر. ولقد أدركت المطبوعات الأجنبية أهمية الحدث حتى قبل نهاية عام 1952. وتمت أولى المحاولات الإكلينيكية في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا منذ مطلع العام التالي.
ونال الكلوربرومازين شهرة واسعة تحت اسمه التجاري «لارجاكتيل» (أي «ذو التأثير الواسع»). وكان للاكتشاف صدى كبير، لدرجة أنه - بناء على مبادرة جان ديلاي - أقيم احتفال دولي في مكان ميلاد الاكتشاف في سانت آن عام 1955، ألقي فيه ما لا يقل عن مائة وسبعة وأربعين بيانا، تنطق بمدى الأمل الوليد. وفي العام ذاته، بأكاديمية الطب، اقترح ديلاي ودينيكر مصطلح «الشلل العصبي»، الذي أصبح فيما بعد «المثبط العصبي». ويفضل الأمريكيون الحديث عن «المهدئ الأخطر» (وهو مصطلح غير مناسب؛ لأن المهدئات المعروفة حتى ذلك الوقت لم يكن لها أي تأثير فعال على الذهان).
ويعد الدخول لعصر علم الأدوية النفسية ثورة على عدة أصعدة؛ فهي «تجبر الطبيب النفسي على التفكير بطريقة فسيولوجية» (جان ديلاي)، ولا سيما أنها تعدل جذريا بنية المصحات النفسية. كانت طرق العلاج بالصدمات المستخدمة حتى ذلك الوقت طرقا علاجية للأزمات. ولكن أصبح لدينا أخيرا أدوية فعالة ويمكن استخدامها في العلاج الممتد، تسمح بالتأثير على المدى الطويل على تطور الذهان المزمن.
ومن نتائج هذا الاكتشاف - وهو ليس بالأمر الهين - التطور العظيم للمثبطات العصبية في الأعوام التالية، الذي شجعته حركة التنافسية البحثية، بينما أعلن ديلاي ودينيكر الخاصية ثنائية القطبية النفسية والعصبية. في عام 1954، كان اكتشاف الريزيربين - دواء يستخلص من زهرة «راولفيا سربتينا» - (السيربازيل)، وهو مادة قلوية تستخرج من ذوات الفلقتين بجبال الهيمالايا. كانت الزهرة نفسها تستخدم منذ العصور القديمة في آسيا لعلاج لدغات الحيات، وكانت تسمى «عشبة المجانين» كما هو مسجل في الطب الهندي في القرن السادس عشر. وكان من توصل إلى فصل القلويات الأساسية لهذا النبات هم أطباء هنودا في ثلاثينيات القرن العشرين، ومن بينها الريزيربين الذي أصبح فيما بعد المثبط العصبي الوحيد المستخلص من مادة طبيعية. كما اكتشفت جزيئات أكثر قوة من اللارجاكتيل في أعوام 1959 و1960 و1968 و1977 و1978. وتطلبت كثرة عددهم وضع تصنيف لهم. ويضم تصنيف ديلاي ودينيكر عام 1973 ما لا يقل عن ثماني عائلات كيميائية للمثبطات العصبية، تنتج خمسة عشر دواء مختلفا يتراوح ما بين المهدئات وحتى الكوابح مرورا بالأدوية متعددة الوظائف.
ويضاف إلى المثبطات العصبية المهدئات ومضادات القلق. وتتجاور آثارها المهدئة للقلق والتوتر الانفعالي إلى آثارها المنومة؛ مما جعلها مفضلة أكثر من البربيتورات. في عام 1954، ظهرت مجموعة الكربامات (من بينها الإيكانيل)، ثم في عام 1957، ظهر أول بنزوديازيبين (بي دي زي)، وهو نوع جديد من الأدوية ذات الخواص المنومة والمضادة للقلق والتشنجات وفقدان الذاكرة والمساعدة على ارتخاء العضلات. كان هذا هو الكلورديازيبوكسيد - والذي صنع في البداية بالخطأ، قبل أن يصبح أحد أكثر الأدوية نجاحا في تاريخ صناعة الأدوية: الليبريوم. في الأعوام التالية، ستسوق أنواع أخرى من البنزوديازيبين: الفاليوم والترانكسين والسيريستا والليكسوميل ... وسرعان ما تجاوز وصف هذه المهدئات لحالات القلق الإطار الصارم للمرض العقلي، وأصبحت تصرف بأمر الممارس العام. وفقا لتحقيق عام 1984، كان الأطباء الممارسون يصفون بالفعل ثلاثة أرباع الأدوية المخصصة لعلاج الأمراض العقلية والنفسية ، سواء لأغراض العلاج الذاتي أو لاستخدامها في مجال الرياضة. وهكذا، كان القناصة يتعاطون أحيانا البنزوديازيبين ليساعدهم على القضاء على تشنج العضلات. كما يستخدمها المدمنون كمسكنات في حالة عدم توافر المخدر الذي يدمنونه.
ولدت العائلة الكبيرة لمضادات الاكتئاب خلال الخمسينيات (فلم يكن البنزوديازيبين ملائما كمضاد للاكتئاب). في غضون عدة شهور، في عام 1957، ظهر بحثان طبيان يعلنان الوصول إلى طريقة شفاء حالات الكآبة عن طريق جزيئين شديدي الاختلاف: إيبرونيازيد وإيميبرامين. ويستخرج الأول من الإيميوزادين (ريميفون) الذي يستخدم في علاج الدرن، وقد لوحظت آثاره المنشطة والمحفزة منذ عام 1952، لدرجة دفعت إلى التخلي عن استخدام الدواء. أعاد الأمريكي ناثان كلاين دراسة هذا الدواء من منظور الطب النفسي، ونشر في أبريل 1957 أول نتائج هذا «المنشط النفسي» في حالات الاكتئاب. وأصبح الإيبرونيازيد هو نموذج الأدوية المضادة للإنزيمات التي تحفز أكسدة الموصلات الطبيعية.
في أغسطس من العام نفسه، شكلت إعادة تحويل الإيميبرامين فرصة جديدة للسرنيديبية. فقد تم اقتراح استخدام الإيميبرامين (تقترب بنيته من الكلوربرومازين) كمثبط عصبي، ولكنه أثبت عدم فعاليته، وسرعان ما «لحق بمقبرة الجزيئات عديمة الفعالية» (بيرون- مانيان)، عندما راود الطبيب النفسي السويسري رولاند كون حدس ما باستخدامه مع مجموعة من المصابين بالاكتئاب. وكانت مفاجأة الأطباء كبيرة عندما اتضح أن الإيميبرامين مضاد قوي للاكتئاب. وظل هو الجزيء المرجعي الذي تشتق منه باقي مضادات الاكتئاب (المحفزة للمزاج لدى المكتئب)، حتى اكتشاف جزيئات جديدة مثل مضادات الاكتئاب رباعية الحلقات وحاصرات البيتا.
ناپیژندل شوی مخ