168

تاریخ جنون

تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا

ژانرونه

38

عام 1923، نقرأ: «كنا مضطرين إلى استبعاد عدد كبير من المرضى شاربي الخمور، إلا أن إصابتهم كانت تتفاقم بعيدا عن عامل إدمان الخمور.» ومن الآن فصاعدا، ساد تصور جديد لتصنيف الأمراض أكثر تحديدا، رابطا الإصابات المتعلقة بإدمان الخمور بجدول إكلينيكي طبي نفسي محدد.

لم يكن من الممكن بالطبع عدم ضم إدمان المخدرات - الذي ظهر حديثا - إلى مجال الطب النفسي في القرن العشرين.

39

كانت نشأة هذا النوع من الإدمان نتيجة للحماس الشديد لظهور المهدئات، ولا سيما المستخدمة في التخدير (أثناء معركة واترلو عام 1815، كانت تجرى العمليات الجراحية وعمليات البتر من دونها). ومنذ تلك اللحظة، بدأ الأثير والكلورال والكلوروفورم والمورفين والكوكايين والهروين يتسببون في أنواع معينة من الإدمان. أثناء الحرب العالمية الأولى بفرنسا - في الوقت الذي كان كل ما يهم هو «إنقاذ السلالة» (التي كانت تجري التضحية بها داخل الخنادق في الوقت ذاته) - جرى التصويت على قانون في السادس عشر من مارس 1915 يحظر شرب الأفسنتين (كنا نتحدث حينها عن إدمان الأفسنتين)، وآخر في الثاني عشر من يوليو 1916، وجاء فيه مفهوم «مواد مخدرة» وكان يضم الجدول رقم «ب» (التصنيف القديم للمواد والأدوية المخدرة).

الأفيون هو أقدم المواد المخدرة، وهو موجود منذ قرون في تاريخ العقاقير (خاصة في صورة اللودونوم)، حتى قبل ظهور إدمان الأفيون في إنجلترا في مطلع القرن التاسع عشر. أما الحشيش، فقد كان يستخدم في البداية في الطب النفسي كما رأينا مع مورو دي تور، وقد كانت طريقته تقوم على إعادة إنتاج الحلم تجريبيا. في العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر، تراجع الأفيون والحشيش إلى المرتبة الثانية بعد ظهور مواد مخدرة جديدة (حتى استعاد الحشيش رونقه خلال سنوات الهيبية). شهد المورفين (مستخرج من الأفيون) - «الصنم الأسود» - انتشارا واسعا بين 1875 و1900. بدأ اكتشافه في بدايات القرن التاسع عشر، وتطور الأمر حتى أصبح مسببا للإدمان ابتداء من منتصف القرن. ولشدة فعاليته في مقاومة الألم، أصبح المورفين يستخدم بكثرة مع جرحى حرب عام 1870، ومنذئذ أصبح «متاحا للعامة». وعلى عكس باقي المواد المخدرة المعاصرة - التي كانت حكرا على المهربين - كان المورفين في نهاية القرن التاسع عشر يوصف قانونيا على يد الصيادلة والأطباء، ومن بينهم تكونت مجموعة كبيرة من مدمني المورفين (نلاحظ أن نظرة المجتمع السيئة لهذا الأمر لم تكن بنفس قوتها بالمقارنة مع القرن العشرين).

وفي الولايات المتحدة الأمريكية تم سريعا حظر الهروين - منتج مركب من المورفين ظهر عام 1898، بينما كان يوصف في فرنسا عام 1920 كعلاج ضد الأرق والصداع النصفي. أما الكوكايين - الموجود من عام 1859 - فقد شهد في البداية - على شكل نبات الكوكا - نجاحا تجاريا وفيرا حينما دخل في صناعة نبيذ مارياني. وهنا أيضا نجد أن استخدام الكوكايين كان قانونيا؛ مما أخر ظهور مصطلح إدمان الكوكايين. كان الكوكايين محتفى به دائما، بل وقبل الحرب العالمية الأولى كان يمكن شراء «الثلج» أو «الكوكو الرائع» داخل ملاهي بيجال ومونبارناس. كان لإدمان الأثير - الذي «يهدئ الأعصاب المتوترة» - أتباعه أيضا. فموباسان مثلا كان مدمنا حقيقيا للأثير، لدرجة أنه في شمال أيرلندا افتتحت ملاه خاصة لتعاطي الأثير. ومنذ نهاية القرن التاسع عشر، بدأت أنواع إدمان البربيتورات تزداد؛ مسببة نوعا من التراجع في تعاطي المواد المخدرة السالف ذكرها ، إلا لدى المهمشين بالمعنى الأوسع للكلمة.

ثم جاء التطبيب النفسي، مرتبطا بالنموذج الإكلينيكي لإدمان المورفين، والذي عرف مرة بكونه اضطرابا نفسيا جسديا ومرة عصابا مستمرا ومرة ذهانا. ويرى الأطباء - ومدمنو الخمور أيضا - أن مصحة الأمراض العقلية ليست المكان المثالي للعلاج، في انتظار طرق بديلة قد تبدو غريبة. وهكذا، كان يوصف لعلاج مدم ني المورفين مواد مثل البروم والزرنيخ والكحول والحشيش والكوكايين والأثير والهروين ... كما كانت تطبق طرق الإيحاء في حالات اليقظة، وحتى التنويم المغناطيسي، ولكن الأمر كان كما يقول شامبارد عام 1890 «كمن يوحي للجائع بأنه ليس جائعا أو ظمآن!»

40

فيما يتعلق بطريقة «الوقف المفاجئ للمادة»، والتي تسمى طريقة ليفينشتاين - مدير إحدى المصحات ببرلين - فكانت تقوم على حبس المريض في غرفة للعزل لمدة اثنتين وسبعين ساعة، مهما كانت صرخاته وتوسلاته. وطبقت بالفعل على طبيب الأعصاب الشهير كارل ويستفال - الذي أصيب بإدمان المورفين من فرط اهتمامه بدراسة هوس إدمان المورفين. ولكن عندما فتحوا الباب، كان الأستاذ ويستفال (كان ليفينشتاين تلميذه) قد مات.

ناپیژندل شوی مخ