146

تاریخ جنون

تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا

ژانرونه

من هم هؤلاء الحراس على وجه التحديد؟ عادة ما يكونون رجالا غير متزوجين لم يتجاوزوا الأربعين عاما، تعليمهم بسيط، قادمين من الريف. وعندما علموا بوجود وظائف في المصحة، حضروا أحيانا في جماعات. يتقاضون راتبا ضئيلا للغاية؛ مائتي فرنك سنويا طوال معظم القرن التاسع عشر، في الوقت الذي كان يجني فيه النجار ثلاثة أضعاف هذا المبلغ. وكان الحراس الذين يعملون مع المرضى المصابين بالهياج أو بالصرع يتلقون زيادة قدرها عشرون فرنكا. ويضاف إلى ذلك وجبة الظهيرة ولتر من النبيذ يوميا، وزوجان من الأحذية في نهاية كل عام. كانوا يعالجون بالمجان، وأحيانا يتم تنظيف ملابسهم وإصلاحها أيضا. كان يمكن للحارس أن يحظى بإذن لثلاثة أيام للذهاب لبيته مرتين كل عام. خروجه من المصحة محدود للغاية، خاصة عندما كان يبيت فيه، ومن المثير أن منهم من كان يفضل أن تكون له غرفة في المدينة على الرغم من ضآلة راتبهم. قبل صدور قانون 1838، أبدى فيريس - أول مفتش لمصحات الأمراض العقلية - تأثرا شديدا من هذا الموضوع. «كان يحب أن يكون هؤلاء الحراس شبابا وأقوياء وذوي مشاعر إنسانية، ويكرسون كل حياتهم لرعاية هؤلاء التعساء الذين عهد إليهم بهم. تحاصرهم في كل لحظة - ليل نهار - الصرخات والصياح الصادر عن المرضى، بل وقد تتعرض حياتهم للخطر. ومقارنة بما يتقاضاه أقل عامل ومع هذا الكم من التعب والقلق، يتقاضون مكافأة شهرية - قليلة للغاية مع إضافة الغذاء والكساء.»

86

ولا يختلف تقرير عام 1874 كثيرا في هذا الصدد: «إذا تصادف وجود عنصر جيد في الحراس، نادرا ما يظل يعمل في المصحة أكثر من الوقت الذي يستغرقه البحث عن وظيفة أخرى أفضل وأقل تعبا [...] أما العناصر السيئة منهم، أو أكثرهم سوءا، فسرعان ما يتعرضون للفصل من عملهم؛ مما ينتج عنه تغيرات دائمة تؤثر سلبا على انتظام الخدمة وعلى المرضى أنفسهم.» ويضيف التقرير أن الوضع يتحسن في المصحات التي يخضع فيها الحراس لإشراف راهبات.

بالفعل، نادرا ما يمكث الحراس طويلا في مكان واحد؛ سواء لإصابتهم بالإحباط أو لفصلهم من المصحة، أقل من ستة أشهر في الغالب (على الرغم من أن الراتب يزيد إلى مائتين وخمسين فرنكا بعد هذه الأشهر الستة السيئة). لم يكن التحسن في الوضع سريعا بل كان بطيئا جدا. وتكونت بالفعل أسر من الحراس، فيخلف الابن والده، والأمر كذلك بالنسبة إلى الموظفين. وها هم يظهرون في صورة لأحد الهواة في الثلاثينيات من القرن العشرين، مرتدين قميصا أبيض طويلا فوقه بدلة من الكتان الأسود لها أزرار ضيقة، وربطة عنق وطاقية مزينة بشرائط ومربوطة بالحزام بواسطة حبل طويل، وممسكين بكمية مذهلة من المفاتيح؛ وهي الميزة الوحيدة بل وشعار وظيفتهم. وترتسم على وجوههم نظرة فخر. وكونوا من الآن فصاعدا اتحادا.

وعلى مدار القرن الذهبي لطب الأمراض العقلية، ظل الحراس فاعلين رئيسين في تكوين «حقيقة وواقع المصحة العقلية»، ولم يستطع أحد المؤرخين اكتشافهما. فلم تنقل السجلات كل شيء، وكل ما لا يقال يدور على مستوى الحراس وحدهم في مواجهة المرضى الذين لا يبتعدون عنهم كثيرا على المستوى الاجتماعي والثقافي. فهم - أكثر من الأطباء - الذين يجعلون داخل المصحة الواحدة ألف مصحة. لقد كان أحد أسباب إلغاء سترة المجانين في مصحة القديس لوقا ببو عام 1896، أن الحراس كانوا يستخدمونها من تلقاء أنفسهم، بل ويسيئون استخدامها، في حين أنه ليس لهم الحق في عقاب أي مريض من تلقاء أنفسهم.

87

أما فيما يتعلق بعمليات التهريب الصغيرة اليومية، فقد رأينا واقع الأمر بالنسبة إلى البريد: إذا مر بريد غير شرعي، فهذا يعني أن هناك من جعله يمر، حارسا أو موظفا. وهناك أيضا - في المصحات كما في السجون وكل أماكن الاحتجاز - ما أسماه علماء الاجتماع الأمريكيون بالمكان الحر؛ حيث يتم تجاهل اللوائح قليلا. هذه هي حال الحانات السرية التي تختفي في أعماق الورشة، وحيث يجلس الحراس جنبا إلى جنب مع المرضى المحتجزين. حتى إنه في نهاية حكم الإمبراطورية الثانية كانت هناك حانة مرخصة داخل مصحة الإخوة سان جون دي ديو بمدينة ليل، وكانت تسمى «البطة البيضاء»، وكانت تبيع للمرضى «الجعة والنبيذ والقهوة والبراندي والسيجار بأسعار زهيدة».

88

بيد أن اللائحة الداخلية لهذه «الحانة» الغريبة تنص على أن يكون هناك أمين سر مسئول عن تسجيل أسماء من يشرب وما يشربه وتكون الكميات محددة طبقا لكل حالة. كانت حانة «البطة البيضاء» تقدم للعاملين بالمؤسسة وسائل ترفيه شريفة، وتصل فوائدها إلى تقديم وليمة دورية لكل زبائنها.

يجب الاستفادة من كل شيء لتسيير العمل بالمصحة، وينطبق هذا على الآنسة بوتار كبيرة الممرضات بشاركو بسالبيتريير، التي كانت تشبه «البطة البيضاء». في عام 1891، نظمت المعونة الشعبية «حفلا علمانيا» في المسرح الكبير بمصحة سالبيتريير للاحتفال باليوبيل الذهبي لخدمة مارجريت بوتار. لقد أصبحت هذه المرأة المسنة النحيفة ذات الهيئة الصارمة - والتي أطلق عليها الأطباء «ماما بوتار» أو «بابوت» - نموذجا للممرضة العلمانية في أوج الهجوم الثوري على المؤسسات الدينية، ولقد كرمت بوسام الشرف في عام 1898 على يد الوزير لويس بارتو شخصيا. وتقاعدت وهي في التاسعة والسبعين من عمرها لتقيم في سالبيتريير بموجب قرار أصدره مازاران في هذا الوقت، يعطي الحق لأي موظف خدم لأكثر من عشرين عاما بالمصحة العامة أن يقيم بها.

ناپیژندل شوی مخ