هو دانيال النبي وأحد الأنبياء الأربعة العظام، قيل: إن معنى اسمه الله قاض، أو قاضي الله، وهو من عائلة شريفة عريقة في الحسب والنسب، ويظن أنه ولد في أورشليم حسب ما حققه المؤرخ الشهير يوسيفوس، وأنه هو الذي كتب سفر دانيال الذي أخذ منه معظم تاريخه.
وقد مدح النبي حزقيال حكمته السامية وتقواه.
وقد أتي بدانيال سنة 606ق.م إلى بابل مع ثلاثة شبان عبرانيين وهم: حنانيا وميشايل وعزاريه، وذلك بعدما تغلب نبوخذ نصر ملك بابل على يهوياقيم ملك يهوذا وسبأ سبطه، واختاره البابليون هو ورفقاؤه ليتعلموا لغة الكلدانيين وعلومهم، وأدخلوهم في القصر الملكي وغيروا أسماءهم، وسمي دانيال بلطشاصر، وبعدما تعلم ثلاث سنوات أعطاه الله فرصة لإظهار علمه وحكمته، وما خص به من الفكر الثاقب والمواهب السامية، ففسر حلما للملك نبوخذ نصر كان قد أزعجه وأقلق باله فكافأه على ذلك بجعله رئيس الشحن على حكماء بابل، ثم فسر حلما آخر للملك وهو أن الله سيقاصصه على عنفوانه وكبريائه.
ولم يذكر دانيال بعد ذلك في أيام خلف نبوخذ نصر، ولا في أيام خلف خلفه القصيرة، ولكن تردد ذكره في أيام بيلشاصر آخر ملوك بابل الكلدان الذي رأى وهو في وليمة أصابع إنسان تكتب على حائط القصر، ولم يستطع حكماء المملكة على قراءة هذه الكتابة أو تفسيرها، ولما دعي دانيال لينظر فيها فسرها بسقوط مملكة بابل وتسلط الماديين والفرس عليها، وذلك لسبب استخدامه في الوليمة إناء الذهب المأخوذ من بيت الرب، وفي مدة ملك بيلشاصر حلم دانيال حلمين مذكورين في الإصحاح السابع والثامن من سفره.
ولما تغلب الماديون والفرس المتحدون على بابل وملكوها، وجلس داريوس على كرسي المملكة وجه دانيال عنايته إلى تدبير أمور شعبه الإسرائيلي وإرجاعه إلى وطنه، وكان قد قرب الزمان الذي ينتهي فيه سبي الإسرائيليين حسب نبوءة أرميا، ففي ذلك الحين عظم شأنه وعلت منزلته عند داريوس لما رأى من همته وثباته وحصافة عقله فقربه إليه وجعله أول وزرائه الثلاثة، فحسده كثيرون على منزلته وقام له أعداء أقوياء، فكادوا له المكايد لإسقاطه وإهلاكه، ومما أتوه أنهم سعوا عند الملك فاستصدروا أمرا ملكيا ينهى الجميع عن تقديم صلاة إلا للملك واعتباره إله مدة ثلاثين يوما، ومن خالف هذا الأمر يطرح في جب الأسود، وقد حدث ما كانوا ينتظرون، فإن دانيال لم ينقطع عن إقامة الصلاة حسب عادته ثلاث مرات في اليوم تاركا كوى بيته مفتوحة فوشوا به إلى الملك فأمر بطرحه في جب الأسود، ولكن الله خلصه من أفواهها بأعجوبة عظيمة، وبعد ذلك أعاده الملك إلى منصبه معززا مكرما كما كان من قبل وزاد نفوذه وعلت مكانته وأعاد الإسرائيليين إلى أوطانهم.
وقد نجح دانيال أيضا في ملك كورش الفارسي، ويظهر أنه فارق بابل بعد قليل؛ لأن رؤياه الأخيرة كانت إلى جانب دجلة وبابل على الفرات، وكانت تلك الرؤيا في السنة الثالثة من ملك كورش، وذلك سنة 435ق.م.
هذا وسيرة دانيال وسلوكه في بلاط بابل تشبه سيرة يوسف في بلاط فرعون؛ لأنهما كليهما كانا عاقلين حكيمين متضلعين في العلوم وأمور تدبير المملكة حسني السيرة والسريرة، وقد حافظا كلاهما على ديانتهما وتمسكا بها تمسكا شديدا، مع أنهما كانا محاطين بعبادة الأوثان وأصناف العوائد الفاسدة، وقد ارتقى كل منهما بحكمته واستقامته من العبودية إلى أعظم منصب في مملكة وثنية، وكانا مثالا عظيما في مخافة الله والأمانة والفضيلة الشخصية. (4) إستير
من لم يسمع باسم هذه المرأة الشهيرة التي خلصت شعبها من الهلاك ودافعت عنه مدافعة الأبطال، وأعلته إلى ذرى المجد ورفعة الشأن وأتت أعمالا خطيرة دونت في صحف التاريخ، ولا يزال صداها يردد على توالي الأيام، اسمها الأصلي بالعبرانية «هدسه»، وهي لفظة تفيد معنى الآس، أما اسمها الفارسي فإستير، ومعناه الكوكب أو السيار المسمى بالزهرة، وهي معروفة بالاسم الأخير الذي لقبت به عندما أحبها الملك وعظمت في عينيه، وقد اعتاد ملوك الشرق في قديم الزمان أن يغيروا اسم كل من كان محبوبا منهم مشمولا بعواطفهم وأنظارهم دلالة على علو مكانته، وعليه لقبت إستير بهذا الاسم عندما دخلت القصر، أو عندما وضع التاج على رأسها.
ولدت إستير منفية في بلاد فارس واسم أبيها إبيحايل توفي وتركها صغيرة السن فتبناها عمها مردخاي، واعتنى بتربيتها وتثقيف عقلها، وكان لها أبا ووصيا.
وبعد أن عزل أحشيورش ملك الفرس الملكة وشتي لمخالفتها أوامره، وعدم انقيادها إلى إرادته أرسل رجالا من قبله يطوفون أنحاء المملكة وينتقون الفتيات العذارى الجميلات، ويبعثون بهن إلى القصر ليختار الملك واحدة منهن ويجعلها ملكة مكان وشتي، فجيء بكثيرات، وكانت إستير منهن فأدخلت على الملك فنالت حظوة في عينيه أكثر من سائر العذارى وأحبها حبا شديدا لما كانت عليه من الجمال الباهر والأدب الكامل، ووضع التاج على رأسها في الحال، وذلك في السنة السابعة من ملكه وأولم يوم تمليكها الولائم وفرق العطايا وعفا عن المجرمين وخفف الضرائب عن رعاياه، ويظهر من الحوادث التي جرت بعد ذلك أن ما وصلت إليه إستير من علو المكان كان بإرادة إلهية لتخليص الشعب الإسرائيلي من أعظم الويلات وإعلاء شأنه ومنزلته.
ناپیژندل شوی مخ