130

تاریخ اسرائیلیان

تاريخ الإسرائيليين

ژانرونه

وفي 15 يناير سنة 1875 رزقه الله مولودا ذكرا سماه جستاف، واحتفل بختانه بعد ثمانية أيام من ميلاده على حسب عقائد الديانة الإسرائيلية، فأقيمت شعائر الأفراح وبشائر السرور والابتهاج، وعزم جد المولود الكريم المرحوم يعقوب بك قطاوي على إحياء ليلة راقصة دعا إليها جمهورا عظيما من أعاظم الكبراء والأعيان، ولما كان المرحوم يعقوب بك قطاوي مقربا من عزيز مصر المغفور له إسماعيل باشا طلب إليه أن تكون تلك الحفلة الحافلة تحت رعايته؛ تيمنا باسمه وتشريفا بطلعته، فأجابه عزيز مصر إلى ذلك، ولما انتظم عقد الحفلة وظهر بدر كمالها وجلالها قدم سمو الخديوي المعظم في الساعة التاسعة مساء من تلك الليلة بموكبه الباهر، يتبعه حضرات رجال المعية السنية وضباط الحرس الشريف، ودخل المنزل بين أنغام الموسيقى وذبح الذبائح حتى جلس سموه في المكان المعد له، فمر المدعوون والمدعوات أمام سموه فحياهم وكرمهم، ومن ثم ابتدأت الحفلة ودارت المخاصرة على نغم الألحان المطربة، ودام الفرح والسرور حتى مطلع الفجر، وخرج المدعوون وهم يثنون على آل المنزل الكرام لما لقوه منهم من حسن الاستقبال والإكرام، وحمد أفراد هذه العائلة الكريمة سمو الخديوي المعظم على ما تكرم به من تشريفه تلك الليلة البديعة الانتظام والترتيب.

وفي 31 يناير سنة 1876 رزق صاحب الترجمة مولودا آخر سماه إيكتور، وفي 20 يناير سنة 1878 مولودا ثالثا دعاه إدجار، وفي 29 أغسطس سنة 1887 رزق مولودة سماها إيديت، ولم يولد له غيرها من البنات فربى أولاده تربية صالحة وهذب أخلاقهم في المدارس وعلمهم اللغات المشهورة، فنشئوا على إكرام الخصال وأشرف الصفات.

ولم تكن كثرة أشغاله التجارية والخصوصية لتثنيه عن الاشتغال بالأعمال الخيرية، فقد كان مغرما بتهذيب أخلاق الشبان سواء كانوا فقراء أو أغنياء ، ولا سيما أقرانه ورفاقه الذين نشأ معهم وشب بينهم، وكان من رأيه الصحيح أنه لا سبيل للإنسان إلى التمدن والحرية إلا من طريق العلوم على أنواعها، ولا يبلغ درجة الكمال، ولا يعرف الحقوق والواجبات الإنسانية إلا إذا تلقى العلوم والفنون والمعارف في المدارس، وهذا الميل إلى ترقية أخلاق الشبان كان غريزيا فيه؛ ولذلك شرع في إنشاء مدرسة خصوصية على نفقة عائلته الكريمة وأتمها وفتح أبوابها لطالبي العلم على اختلاف أجناسهم ومذاهبهم، وجلب إليها الأساتذة الماهرين، وألف لها لجنة إدارية برئاسته تنظر في أمورها وشئونها وسماها المدرسة التجارية، ثم دعيت دار العلوم العالية فنجحت نجاحا عظيما، وظهرت ثمار فوائدها في التلامذة الذين تخرجوا فيها وتهذبت أخلاقهم، فخرج منها شبان كثيرون متممين فيها الدروس الابتدائية والثانوية، وبعض هؤلاء الشبان لم يخرج منها إلا لكي يتمم علوم الطب والهندسة والقانون في مدارس أوروبا، فذاعت شهرة هذه المدرسة، وفاقت بإدارتها وحسن تعليمها واجتهاد أساتذتها وتلامذتها سائر المدارس في القطر المصري، وكأن القدر المتاح كان كاتبا لها أن لا يطول عمرها كثيرا، وذلك أن صاحب الترجمة عرض له في ذاك الأوان ما دعاه إلى الإقامة في أوروبا سنة كاملة، فأخذت المدرسة في غيابه تتقهقر وتتأخر شيئا فشيئا إلى أن أقبلت على شفا الخراب، ولما عاد من سفره وشاهد ما صارت إليه من الانحطاط تأسف كثيرا، ولا سيما أن أمراضها كانت قد تأصلت فيها، فرأى أن إرجاعها إلى حالتها الأولى من أصعب الأمور وأشدها، فتركها ووجه عنايته إلى تحسين حالة المدارس الخيرية المجانية الإسرائيلية التي كان يديرها ويلاحظ شئونها، فنجحت هذه المدارس في مدة قصيرة وحازت قصب السبق على غيرها، وهي لا تزال إلى اليوم راقية في معارج النجاح والفلاح، وتلامذتها ينيفون على الخمسمائة بين ذكور وإناث.

ولم تقعده كل هذه المشاغل عن الاشتغال بأمور خيرية أخرى يعود نفعها على بني الإنسان، فقد كانت غيرته ومروءته تدفعانه إلى الإكثار من أعمال البر والإحسان حبا بصالح الفقراء والمعوزين وغيرهم الذين كانوا يلتجئون إليه، فيفرج كربهم ويزيل عثراتهم غير فارق بين مذاهبهم وأديانهم، شأن الحكماء العقلاء الذين لا يثنيهم شيء عن أداء الفروض والواجبات الإنسانية المفروضة على كل غني مقتدر أمام الفقير البائس، ولا سيما من كان مثل صاحب الترجمة رئيسا على الطائفة الإسرائيلية عارفا بأحوال الفقراء ميالا إلى إصلاح أحوالهم وتبديد همومهم.

أما رئاسة الطائفة الإسرائيلية فقد نالها بالاشتراك مع حضرة شقيقه الفاضل يوسف بك قطاوي بعد وفاة والدهما المرحوم يعقوب بك قطاوي في سنة 1883، وهما لا يزالان إلى الآن قائمين بمهام هذه الرئاسة بهمة وإخلاص لا مزيد عليهما، كما يشهد بذلك كل فرد من أفراد هذه الطائفة الكريمة في القطر المصري.

وقد نال الرتبة الثانية مع لقب بك من المرحوم الخديوي السابق توفيق باشا.

ولما برح القطر المصري سعادة بلوم باشا وكيل نظارة المالية المصرية سابقا انتخبته الطائفة النمسوية المجرية بمصر رئيسا على شركاتها الخيرية بدلا عن الباشا المذكور، ورئيسا أيضا على إدارة المستشفى النمسوي الخيري الذي في العباسية، وهو الذي أنشأه والده المرحوم يعقوب بك قطاوي بماله الخاص.

أما أعمال صاحب الترجمة المالية والتجارية فهي كثيرة جدا، ولو شئنا الإلمام بها كلها لضاق بنا المجال في هذا المقام، وإنما نقول: إن كل مشروع أخذ فيه أو سعى في تنشيطه وتعضيده كان يبلغ حد النجاح ويثمر ثمار الفوائد العائدة بالنفع العمومي، فإنه اشترك بماله وإدارته في إنشائه السكك الحديد الحلوانية المستجدة، والسكك الحديد الممتدة بين قنا وأسوان، والسكك الحديد الزراعية الشرقية التي ابتاعتها بعد ذلك شركة الدلتا، وكان من العاملين في إنشاء شركة مياه طنطا، وشركة مركبات الأمنيبوس بمصر، وهو الآن أحد مديري كل هذه الشركات، فضلا عن انضمامه إلى مديري البنك العقاري المصري والبنك الأهلي والشركة الزراعية، وغيرها من الشركات التجارية والمالية المشهورة.

وهو رئيس محفل بني بريت، ورئيس شرف في المحافل الماسونية المصرية، وكان من أهم أعضاء محفل كوكب الشرق الإنكليزي.

ومع كل هذه الأعمال العظيمة التي كان يقوم بأعبائها بهمته وسمو مداركه، فإن الأعمال الخيرية كانت دائما تجول في خاطره وتشغل قسما كبيرا من أوقاته، فقد بلغه ذات يوم أن تكية رودلف في الإسكندرية سائرة في طرق الخير والإحسان، يلجأ إليها عدد عظيم من المحتاجين والمعوزين، فكتب إلى حضرة مديرها الفاضل الأب رودلف يلتمس منه أن يحضر إلى مصر، ويساعده على إنشاء تكية فيها على نسق تكية الإسكندرية، فأجابه إلى طلبه وجاء إلى مصر، وخطب في محفل حافل حضره جميع رؤساء الشركات الخيرية على اختلاف مذاهبهم وأميالهم، وأبان المزايا الحميدة التي تعود على الإنسانية من عمل الخير والإحسان، وارفض ذلك المحفل بعد أن أقر على إنشاء هذه التكية وابتياع منزل يكون لائقا بها، ومن ثم أخذ صاحب الترجمة يسعى في إيجاد المنزل المطلوب حتى وجده وابتاعه على ذمة التكية وعمره، وأصلح منه ما كان في حاجة إلى الإصلاح على نفقة مشتركي هذه الشركة، وفتح أبوابه للفقراء والبائسين من جميع الملل والمذاهب، وقد جعلت هذه التكية تحت رعاية جناب اللورد كرومر وزير الدولة البريطانية بمصر.

ناپیژندل شوی مخ