أنشئت هذه الجمعية في مدينة نيويورك بأميركا، وهي على نظام الجمعية الماسونية ودعت اسم الجمعية الكبرى المركزية «المحفل الأكبر الأعظم في نيويورك»، وكل ما يتبعه باسم «محفل» والغاية من هذه المحافل ضم الشبان الإسرائيليين بعضهم إلى بعض للنظر في مصالحهم العمومية، والمحافظة عليها، وسبر غور حقوقهم والسعي في الحصول عليها، وتلبيس الأذهان حلة الإنسانية والشرف، وحب الوطن، وإشراب القلوب محبة العلوم والفنون وتقويتها، وإعانة الأرامل والأيتام والفقراء والمحتاجين وعضد عائلات الذين يذهبون ضحية الاضطهاد، وأوجبت على كل عضو من أعضائها أن تكون الخلال الشريفة متأصلة فيه، وعواطفه كلها مائلة إلى فعل الخير وإقامة العدل وبذل الجهد في تمهيد الطرق التي توصل إلى غرض الجمعية الصالح، وأن لا يضن بشيء مما لدى الأعضاء ماديا كان أو أدبيا توصلا إلى النتيجة التي ترمي إليها تلك الجمعية الشريفة، وقد زاد عدد محافلها عن ستمائة محفل ولا تزال آخذة في التقدم، ولها أعمال خيرية يضيق هذا المختصر عن سردها فنكتفي بالإلماع إليها.
وقد أنشئ لها في مصر فرعان سمي أحدهما «محفل ماغين دافيد نمرة 436» طبع قانونه النظامي في اللغة العربية، ولا يكاد يختلف عن قوانين المحافل الماسونية، ولكن هذا لطائفة الإسرائيليين فقط وذاك لجميع الطوائف بلا استثناء، ورئيسه جناب الفاضل موسى بك قطاوي، والثاني محفل ميمونيت نمرة 365 يشتغل باللغة الألمانية ورئيسه المسيو كزمير أحد موظفي نظارة المالية المصرية، ويوجد محافل أخرى في الإسكندرية وطنطا، وقد أنشئ لها أجزاخانة في العباسية بمصر واسمها أجزاخانة نيويورك.
وقد اطلعنا على كثير من أعمال هذه المحافل المبرورة وقرأنا قانونها ونظاماتها فسررنا بها وتمنينا لها الخير والتوفيق؛ ولذلك نحث في كتابنا هذا جميع الشبان الإسرائيليين المهذبين على الانضواء تحت لوائها ومساعدة القائمين بشئونها.
وهناك جمعيات أخرى كثيرة للإسرائيليين في كل مدينة ومملكة ليس من غرضنا التطويل عنها على أن في النفس ميلا يدعونا إلى العود إليها ثانية، فنسأل لها التوفيق في كل أعمالها الصالحة.
الفصل الحادي عشر
رجال الدين
كنا نود أن ننشر في هذا الكتاب فصلا مطولا عن رجال الدين الإسرائيلي في هذا العصر، ولكن رأينا الآن أن نكتفي بمختصر تراجم ثلاثة من أعاظم أحبار الطائفة مؤجلين نشر ذلك الفصل إلى الطبعة الثانية إن شاء الله، أما الأحبار الثلاثة المذكورة تراجمهم هنا فقد عرفناهم وحادثناهم، فرأينا فيهم أمثلة التقوى والصلاح والغيرة على مصالح أبناء طائفتهم، ولهم شهرة ذائعة في العلم والفضل وعلو الهمة. (1) الحبر الجليل روفائيل هارون بن شمعون (حاخام باشي مصر وتوابعها)
صاحب هذه الترجمة العالم العلامة الحبر الجليل روفائيل هارون بن شمعون حاخام باشي الطائفة الإسرائيلية في مصر وتوابعها، ولد في مدينة أرباط من ثغور المغرب الأقصى في شهر آب سنة 5607 الموافق لشهر أغسطس سنة 1847، ولما بلغ الخامسة من عمره رحل به والده الأستاذ الكامل المرحوم داود بن شمعون إلى القدس الشريف قصد الإقامة فيها وهناك اعتنى بتربيته وتثقيفه اعتناء عظيما، وكان والده من خيرة الرجال الأفاضل اشتهر بسمو مداركه، وعلو همته، ونال مكانة رفيعة في عيون أبناء طائفته فرفعوا قدره وعظموا مقامه، وفي سنة 5615 الموافقة لسنة 1852 انتخب حاخام باشي لطائفة المغاربة القاطنين بالقدس الشريف، فقام بمهام هذا المنصب الجليل قيام الرجل العاقل الحازم فرفع شأن الطائفة، ومهد لها سبل النجاح ونظم عقد جامعتها فبنى لها المدارس والكنائس والملاجئ ووقف عليها الأوقاف، وكان برا تقيا كثير الرحمة والشفقة على الفقراء والأيتام والأرامل، فلم يكن يطيب له عيش إلا باتخاذ كل وسيلة لراحتهم وتخفيف أحزانهم وجبر قلوبهم، ولا تزال آثار فضله بادية باهرة في مدينة أورشليم، ولا يزال ذكر أعماله الصالحة يدور على ألسنة الناس بالحمد والشكر.
أما سيادة صاحب هذه الترجمة، فقد أخذ عن والده كل الفضائل الباهرة والمبادئ الشريفة، وتلقى العلوم الدينية في المدارس الكبرى الربانية في أورشليم ونبغ في فن الكتابة والحساب، وكان سكرتيرا للمرحوم والده في تولي مهام أعمال الطائفة فأظهر في منصبه هذا مقدرة الرجال العظام، وكان في أكثر أوقاته يعكف على المطالعة والدرس والتبحر في العلوم والمعارف؛ حتى أصبح عالما معدودا بين علماء عصره وكاتبا نحريرا وشاعرا مجيدا يشار إليه بالبنان، وهو الآن مشهور بقوة مداركه وتصوراته ومعدود من أكابر أحبار الطائفة الإسرائيلية العظام.
ففي سنة 5637 الموافقة لسنة 1878 عين ناظرا على المدرسة الربانية الكبرى في القدس الشريف، وهي مدرسة خيرية قائمة بإحسان وأوقاف أبناء الطائفة الإسرائيلية في فرنسا وأوستريا وجرمانيا، ولما توفي المرحوم والده خلفه على منصب الرئاسة فتولى شئون الطائفة بهمة فائقة، وفي سنة 5651 الموافقة لسنة 1891 انتخب حاخام باشي للطائفة الإسرائيلية في مصر وتوابعها، ووردت له البراءة الشاهانية الرسمية في سنة 5653 الموافقة لسنة 1893.
ناپیژندل شوی مخ