ومن العجب أن التوراة مع اشتمالها على هذه الفصول المستهجنة، وهذه العبارات الغريبة المدهشة، قد صدقها المجمع الكاثوليكي التارنتي الذي قرر أن التوراة الصحيحة في نظر الكنيسة الكاثوليكية هي خمسة أسفار: موسى التي يقال لها الناموس، وكتاب الأنبياء المشتمل على كتب يسوع، والقضاة، والملوك، ونبوات أشيعا وأرميا، وحزقيال، ودانيال، والاثنا عشر نبيا صغيرا، وكذلك كتب: «باراليبونسيس واسدراس ونيحميا وطوبيا ويوديث وأيوب والمزامير، والأمثال، والكهنوت، ونشيد الإنشاد، والحكمة، وكتابا المكابيين.» ولم يخرج الكاثوليكيون من التوراة إلا كتاب أنوخ، وثلاثة أو أربعة كتب من اسدراس، وثلاثة أو أربعة كتب من المكابيين، وكتاب منشى.
أما اليهود والبروتستانت فإنهم يخرجون من التوراة كتاب طوبيا، ويوديث والحكمة والكهنوت وكتاب باروخ وبعض أقسام من كتاب أستير، وقصة سوسان وقصة الشبان العبرانيين الثلاثة والكتابين الأولين من المكابيين، وقصة أوثان بعل، وداغون. هذا ما كان من العهد القديم، فأما العهد الجديد فهو الذي يشتمل على الأناجيل الأربعة؛ متى، ومرقص، ولوتا، ويوحنا، وأعمال الرسل، و14 رسالة من بولس، و7 رسائل من بطرس، ويعقوب، ويهوذا، ورؤيا يوحنا. وقد أخرج المجمع التارنتي من العهد الجديد رسائل برنابا، ورسائل بولس إلى اللاوديقيين والي سنيكا وكتاب السيد المسيح إلى أبقار، وكثيرا من الأناجيل.
وقد جاء في كثير من الكتب - حتى التي ألفها مؤلفون مسيحيون - تخطئة العهد الجديد أيضا، فضلا عن العهد القديم. وتجد في معجم لاروس تخطئة إنجيل متى في نسب المسيح، فبعد أن ساق ما قاله متى من أنه من سبي بابل إلى المسيح أربعة عشر بطنا، قال: إن في هذه النسبة مشكلات لا تقبل الحل، لأنه لا يوجد من سبي بابل إلى المسيح أربعة عشر، وإنما هي ثلاثة عشر بحسب كلام متى نفسه. فأما الذين أنحوا على الإنجيل الأربعة بالتخطئة ممن لم يبق عليهم من المسيحية إلا الاسم فإنهم كثيرون جدا. وقد ازدادت الكتب المتعلقة بهذا المبحث بعد الحرب العامة كثيرا، فقد عرضوا الأناجيل على المحك ومحصوها تمحيصا لا بأس بأن نشير إلى بعضه، ونورد عليه بعض الأمثلة، لأن الاستقصاء في هذا الباب يستغرق مجلدات كثيرة، ونحن إنما نتوخى مجرد الإشارة إلى الموضوع، حتى إذا كان للقارئ رغبة يمكنه أن يراجعه في مظانه، ولو كانت هذه الحواشي للاستقصاء لم تكن لتنتهي.
جاء في الكتاب المتعلق بالسيد المسيح من تأليف الدكتور «بيئيه سانغليه» “Biuel-Sanglé”
أحد أساتذة علم الروح في فرنسا، وذلك في الجزء الأول من الطبعة الثالثة من الكتاب المذكور في صفحة 30 إلى صفحة 71 ما يأتي ملخصا: «إن أكثر رجال العمل لا يفكرون في الكتابة والتأليف، وترى المتهوسين من أصحاب الدعاية الدينية لا يهتمون بتقييد أعمالهم وتخليدها إلا بعد أن يدخلوا من العمر في الطور الذي يقتضى الراحة، فأما تلاميذ المسيح فقد تأخروا عن كتابة تاريخ معلمهم بهذا السبب، وبسبب آخر هو اعتقادهم أنه لم يبق وقت للكتابة لأن القيامة قريبة، فبقيت أعمال المسيح مدة عشرين إلا ثلاثين سنة محفوظة في الصدور لا في السطور.
وقد ذكر «بابياس
» الذي عاش في النصف الأول من القرن الثاني وكان مطرانا على هيرابوليس، وهي البلدة التي أقام بها فيلبس الرسول أن المكتبة الأولى للإنجيل كانت: ذاكرة شمعون الصفا، ويعقوب بن زبدى، ويوحنا بن زبدة ولاوي بن القايوس أي متى، وتوما، وأندريا، وارستيون، ويوحنان، وفيلبس نفسه. فإن هؤلاء الذين كانوا يحفظون تاريخ المسيح، وكانوا يروون حركاته وسكناته للناس شفهيا، إلى أن ألحت جماعات المؤمنين عليهم بكتابتها في الورق فكانت من أجل ذلك الأناجيل الأولى التي يشهد بوجودها الإنجيلي لوقا، ويشهد يايباس نفسه، فإن لوقا يقول ما يأتي: «إن كثيرين أرادوا أن يسطروا روايات الوقائع التي تمت طبقا لشهادة من شاهدوا عيانا.»
وانظر إلى ما يقول يايباس في مقدمة كتابه المسمى «شرح أحكام الرب» خطابا لأحد أصحابه: «لا أتردد من أجلك أن أحرر ما سمعته من الزكيتيم - الزكيتيم بالعبرية تقوم مقام الشيوخ في العربية، وهي مشتقة من فعل زكن بمعنى علم وفطن وأنت تعلم أن العربية والعبرية من أصل واحد والميم في العبرية كالنون في العربية فقولك الزكينين هو كقولك الزكينين - وما وعته ذاكرتي لأجل إثبات حقيقة الشرح الذي شرحته، ولم أكن ناقلا عن الرواة المعروفين بفصاحة اللسان وذلاقة التعبير كما يفعل الكثيرون، بل ناقلا عن معلمي الحقيقة، فإني لا أحب أن أروي عمن يدخلون مبادئ أجنبية في كلامهم، وإنما أحب أن أروي الوصايا التي فرضها الرب والتي هي وليدة الحقيقة. فإذا كنت صادفت بعض من كانوا في عشرة الزكينيم - أو الزكينين - فكنت أتحرى أن أعلم ما قال اندريا، أو بطرس أو فيلبس أو توما أو يوحنان أو متى أو تلميذ آخر من تلاميذ السيد. ولم أكن أعتقد أن ما هو في الكتب أفيد لي من سماع كلمة حية من أفواه هؤلاء، فمرقص كان ترجمانا لبطرس، وكان يكتب كل ما سمعه من بطرس عن أقوال المسيح وأفعاله، لأن مرقص لم يسمع المسيح ولم يصحبه ، وكان يتبع بطرس حيث ذهب، وكان بطرس يعلم بحسب الظرف الذي يوجد فيه، وبدون أن يهم بربط الروايات بعضها مع بعض، فمرقص لم يكتب إلا ما سمع من بطرس، ولم يكن له هم إلا في تقييد كل ما سمع بدون زيادة ولا نقصان.» ثم إن يايباس يقول عن متى: «إن متى جمع كلمات يسوع باللغة العبرية وترجمها كل بحسب استطاعته.» فالأناجيل الأولية إذن كانت إنجيلين؛ أحدهما إنجيل مرقص الأصلي، والثاني مجموعة متى. وكان إنجيل مرقص خاليا من الترتيب، وكان مرقص هذا ويقال له أيضا يوحانان من سلالة اللاوية، وكان يحمل لقبا يونانيا بحسب العادة في ذلك الوقت، وكانت أمه تدعى مريم وفى بيتها كان يجتمع حواريو المسيح وكان قد قطع إحدى أصابعه حتى لا يعود صالحا للكهنوت اليهودي، فكان «ههيبوليتوس» القديس يقول له: «مرقص ذو الإصبع المقطوعة» وقد روى «اوزيبيوس» أنه لما كان بطرس الملقب بالصفا يعظ في روما كان الناس الذين يتلقون البشارة منه يترجون مرقص أن يقيد ذلك بالورق ويدفعه لمن يريد، فعرف بطرس بالأمر فما نهاه ولا شجعه في البداية، ولكن بعد أن كتب مرقص إنجيله صار يتلى في الكنائس - ولا يزال القبط يسمون كنيستهم بالكنيسة المرقصية - وعاش هناك بين سنة 45 و47 للمسيح.
أما مجموعة متى فقد كتبها هذا بين سنة 50 و60 وكان متى من الحواريين وكان متصوفا متقشفا لا يأكل اللحم، ولا يشرب الخمر، وبقي في فلسطين اثنتي عشرة سنة بعد المسيح، ونشر إنجيله بلغة العبريين، بينما كان بطرس وبولس يؤسسان كنيسة روما، فهذان الإنجيلان هما أقدم الأناجيل.
وجاءت بعد ذلك الأناجيل الثانوية وكثر عددها، ولما تغلبت الكنيسة في الدولة الرومانية أحرقت جانبا عظيما من هذه الأناجيل الثانوية، بحيث لم يبق منها إلا أسماء فقط، فمنها إنجيل «اندرياس» جاء ذكره في منشور من البابا جيلاسيوس الأول سنة 494 ومنها إنجيل «بارنابا» الذي ذكره «جيلاسيوس» ولم يكن يفترق عن إنجيل متى. ومنها إنجيل «باسيليديس» ذكره «اوريجينيس» وقد كتب سنة 125. ومنها إنجيل «قيرنيتوس» وكان يهوديا مال إلى شريعة عيسى وكتبه في نحو سنة 180 وكان يقول إن عيسى هو ابن يوسف من مريم. وقد ذكر هذا الكتاب القديس هيبوليتوس. ومنها إنجيل «هيزيشيوس» الذي ذكره «ايروثيموس» (سنة 340 إلى سنة 420) ومنها إنجيل يعقوب الصغير ذكره «جيلاسيوس» ومنها إنجيل يهوذا ذكره «ايرينابوس» (177-202) وكان هذا الإنجيل مستعملا عند القاينيين وهي نحلة كانت تتمسك بكل شيء تحرمه الكنيسة وكانت تعظم قابين. ومنها إنجيل «تاداى» ذكره جيلاسيوس. ومنها إنجيل «مقريون» ابن مطران سينوب ألفه سنة 130 وذكره ايرنايوس وهو مأخوذ من إنجيل لوقا، ولكنه لا يذكر الفصل المتعلق بميلاد يسوع، ولا قصة الكرمة ولا الابن الشاطر. ومنها إنجيل متى الذي ذكره «اوريجينيس» ومنها إنجيل «ساتورينوس» ذكره هيبوليتوس وتاريخه سنة220. ومنها مجموعة الأناجيل الأربعة بقلم «تاتيانوس» الأشوري تلميذ يوستينوس وكان من النحلة التي تحرم أكل اللحم وشرب الخمر والشهوات البدنية. وقد كتب هذا الكتاب سنة172 باللغة الآرامية ولا يوجد في هذا الإنجيل النسبة الداودية.
ناپیژندل شوی مخ