de Nointel »، فطلب من تركيا مطالب رفضها الكوبرلي، وقال: إن تلك الامتيازات التي كان يتمتع بها الفرنسيس كانت من قبيل الأنعام لا غير، وليست شرطا لازما، فإن لم يكن السفير يفهم هذا فما عليه إلا أن يرجع إلى بلاده. فلما علم لويس الرابع عشر بما جرى أمر بتجهيز أسطول خمسين بارجة حربية، ولكن في آخر الأمر تغلب الميل إلى السلام، وأعيدت معاملة الفرنسيس في تركيا إلى ما كانت عليه، واعترفت الدولة لفرنسا بحماية الكاثوليك في الشرق، ومع هذا فإن لويس الرابع عشر بقي طول حياته يكره تركيا ويفكر في شن الغارة عليها، ولم يتأخر عن ذلك إلا عجزا لأن الدولة في أيام أحمد باشا الكوبرلي عادت فصعدت إلى ذروة المجد.
وفي أيام الكوبرلي دخل القوزاق الروس في طاعة الدولة، وكانت الدولة أعلنت الحرب على بولونيا في 18 آب 1672 وزحف السلطان بذاته وكسر البولونيين، وعقد ملك بولونيا «ميشيل فيسموفيكي» صلحا مهينا وتخلى عن «بادوليه» للعثمانيين وعن أوكرانيا للقوزاق، وتعهد بدفع جزية سنوية عشرين ألف دوكة، فالشعب البولوني لم يوافق على هذا الصلح، وعاد القواد فاستأنفوا الحرب، وكانت سجالا بين الفريقين، فتوسط خان القريم في الصلح وانعقدت المعاهدة على أن يبقى قسم من أوكرانيا تابعا للدولة العثمانية، ومن سوء حظ الدولة مات أحمد باشا الكوبرلي، وكان لم يتجاوز إحدى وأربعين سنة، وكانت وفاته في 30 أكتوبر 1676، ولم يكن سفاكا للدماء كأبيه ولا كان شرها إلى المال، وكان محبا للعدل قائما بالقسط، فتولى الصدارة بعده ابن عمه قره مصطفى باشا، ولم يطل الأمر حتى استؤنفت الحرب في رومانيا وبلاد القوزاق، فزحف قره مصطفى بجيش جرار واستولى على كورين من أوكرانيا.
وبينما العثمانيون يحاربون في أوكرانيا إذ حصلت وقائع في بلاد المجر حملتهم على عقد الصلح، وذلك أن المجر كانوا قد اقتتلوا مع النمسويين، وكانوا منقسمين إلى قسمين ؛ أحدهما: حزب الكونت تكلي وهؤلاء كانوا يعتمدون على تركيا، والحزب الآخر: كان يعتمد على النمسا، فاستعان «تكلي
Tekeli » بالدولة وزحف قره مصطفى باشا على رأس مئة وأربعين ألف مقاتل، وكان النصر حليف جيشه فاغتر بقوته وساق الجيش إلى فيينا طامعا في أخذها، وكان الكونت تكلي والقائد العثماني في بود وأكثر القواد ضد هذا الرأي، إلا أن قره مصطفى أصر على حصار فيينا، وكان قائد البلدة الأمير «اشتار نبرغ
Stharemburg » فجند الأهالي كلهم وقابل هجمات الأتراك بمدافع نادرة المثال، وقام الترك بثمانية عشر هجمة وحمل النمسويون من الداخل أربعا وعشرين حملة، ووقع كثير من الحصون في أيدي الأتراك.
ويقول المؤرخ الفرنسي دولا جونكيير: إنه لولا بخل قره مصطفى لربما كان الجيش العثماني استولى على فيينا، وذلك أنه كان يعتقد كون فيينا ملأى بالأموال والكنوز، فلو كان أمر بحمله عمومية واستولى الجند على البلدة لكانوا نهبوها لأنفسهم، فكان يريد أن يأخذها بدون أن يترك للعسكر حتى التصرف بالغنائب، فبقي منتظرا النصر مع حفظ النظام إلى أن تمكن إمبراطور النمسا ليوبولد من استجلاب البولونيين لنجدة فيينا، وكان البابا استصرخ لويس الرابع عشر باسم النصرانية، إلا أن شدة بغضاء ملك فرنسا لإمبراطور ألمانيا حالت دون نجدة ملك فرنسا الذي كان يثبط سائر الدول المسيحية عن إصراخ الألمان.
وبرغم كل مساعي لويس الرابع عشر في خذلان النمسا زحف صوبيسكي ملك بولونيا وزحف أمراء الساكس والبافيير لنجدة النمسا، وفي 12 سبتمبر 1683 اشتبكوا في معركة حاسمة مع العثمانيين، فخاب السعد في هذه المعركة وفقد العثمانيون عشرة آلاف قتيل، وغنم الألمان والبولونيون ثلاث مئة مدفع وخمسة آلاف خيمة وصناديق لا تحصى ملأى بالعدد، وسقط في أيدي الألمان أعلام الجيش العثماني عدا السنجق الشريف، وتقهقر قره مصطفى باشا قاصدا إلى بود فتعقبه البولونيون وهزموه هزيمة ثانية وقتلوا من جيشه ثمانية آلاف، واستولى الرعب على الأتراك فولوا مدبرين، ووصلت الأخبار إلى الأستانة فثار ثائرة الأمة، واضطر السلطان محمد الرابع إلى إصدار الأمر بقتل قره مصطفى باشا، وأرسلوا رئيس القرناء إلى بلغراد لأجل تنفيذ هذا الأمر، وتولى الصدارة إبراهيم باشا في أحرج وقت عرفته السلطنة، وتألبت على الدولة العثمانية عصبة من دول النصرانية: ألمانيا وبولونيا، والبندقية، والبابا، وفرسان مالطة، وانضم إليهم الروس طمعا في دخول البحر الأسود وغزو بيزنطية، وكان الشيخ العثماني قد دب الرعب في قلبه وكانت الخزانة خاوية، وكانت فرنسا غير داخلة في هذا الحلف بغضا، ولكن كانت المراكب الفرنسية تغزو سفن المسلمين، ووقع قتال بين الأسطول الفرنسي والمراكب العثمانية أمام جزيرة شيو، وضرب أمير البحر الفرنسي «دوكين
Duquesue » مدينة الجزائر بالقنابر ودمرها، ولم يرجع الفرنسيس عنها إلإ بعد أن أخذوا غرامة الحرب من إمارة الجزائر، وتسلموا الأسرى المسيحيين الذين عندهم، وضرب أيضا دوكين مدينة طرابلس، فأوقع بها ما أوقع بالجزائر، وجاء الفرنسيس فضربوا مراسي المغرب ودمروا الأسطول المغربي، ثم إن الهزائم التي وقعت على جيش قره مصطفى باشا في النمسا تركت الطريق مفتوحا للعدو، فزحف إلى المجر، كما أن البنادقة أعملوا الحركة لأجل فتح بلاد المورة، ووقعت بريفيزة في أيدي البنادقة ثم نافرين ومورون وأركادية باتراس وليبانت وكورنتيه وأثينا.
وأما النمسيون فإنهم استولوا على فيسغراد وفاكسين ودخلوا بست وحصروا بود، واستولوا على بعض مواقع للعثمانيين في كرواسية ودحروا والى بوسنة، ثم استولى قائد النمسا الدوك دولورين على غران ونوهيزل، كما أن الكونت هوبشتاين استولى على ليكة وكوربافية ووادي أودفينة، كما أن الجنرال شولتس هزم تكلي الأمير المجري المولى من قبل العثمانيين، فعين السلطان سليمان باشا صدرا أعظم وعهد إليه باسترداد شرف السلطنة التي أصيبت من النوائب بما لم يسبق له مثيل، وكان سليمان باشا شديد البأس مقداما، إلا أنه كان ينقصه علم الحرب الذي كان موصوفا به الدوك دولورين، وهو القائد الأول في زمانه، وكان الدوك دولورين يحاصر بود وفيها القائد عبدي باشا، وكان المحاصرون تسعين ألف مقاتل فردهم عبدي باشا على الأعقاب مرتين، إلا أنه قتل في المعمة، وبعد قتله دخل النمسويون وحلفاؤهم إلى بود، وذلك في 2 سبتمبر سنة 1686، وكانت بود هي آخر حدود الإسلام من جهة أوروبا، وبقي العثمانيون فيها مئة وخمسا وأربعين سنة، وكانت هي باب الجهاد ومفتاح السلطنة ، وكانت فيها مساجد ومدارس عديدة، فلم يبق منها شيء سوى مدفن لمجاهد يقال له «كل بابا» حافظ عليه المجر إلى الآن وهو على رابية عالية من بود.
ومن آثار العثمانيين في بود حمامات معدنية لا تزال إلى الآن، ثم اشتبك سليمان باشا مع العدو في موهاك، وهو مكان كان العثمانيون كسروا فيه المجر قبل ذلك التاريخ بمئة وستين سنة، فلم يسعدهم طالع الحرب هذه المرة وخسروا عشرين ألف مقاتل مع المدافع والذخائر، ودخل العدو بلاد ترانسلفانيا واستولى عليها واستولى على أربعة عشر حصنا في سلافونيا وعلى كثير من القلاع في كرواسية، والمجر السفلى، فبعد توالي هذه المصائب على الدولة لم تجد الأمة أمامها وسيلة لإصلاح الحال سوى خلع السلطان محمد الرابع، فخلعوه في 8 نوفمبر 1687 وبايعوا أخاه السلطان سليمان الثاني.
ناپیژندل شوی مخ