تاريخ ابن خلدون

شکیب ارسلان d. 1368 AH
105

تاريخ ابن خلدون

تاريخ ابن خلدون

ژانرونه

Rincon » سفير فرنسا في القسطنطينية يعمل ليلا ونهارا لأجل بقاء الاتحاد بين فرنسا وتركيا، وكان هذا السفير يلوم مولاه فرانسيس الأول على مهادنته لشارلكان، وفي أثناء ذلك انخدع فرانسيس بسياسة شارلكان وأرسل إلى السلطان سليمان يطلب منه مصالحة عدوه شارلكان، فاستغرب السلطان هذا الطلب، ولكن رنسون أصلح خطأ سيده فكتب السلطان إلى فرانسيس قائلا له: «إن شارل ملك إسبانيا يلتمس الهدنة بواسطتك، فإذا كان يريد الهدنة وكنت أنت تريد ذلك من قلبك فأنا أشترط عليه بأن يرد لك جميع البلاد والحصون والأراضي التي أخذها منك، فإذا قام بهذا الشرط وأنت أعلمت بابي العالي بذلك فأنا أعمل لك ما تشاء.»

وظهر أن الحق كان مع السلطان سليمان، وأن الإمبراطور شارلكان كان قد خدع ملك فرنسا ثم تجددت الحرب وبعث فرانسيس الأول يلتمس من السلطان تجريد الأسطول العثماني كله لمباشرة الحرب، وكان للسفير رنسون اليد الطولى في ذلك. فأرسل شارلكان من قتل رنسون السفير الفرنسي غيلة بحجة أنه خائن للنصرانية، فكتب فرانسيس الأول ندوة نور نبرغ يشكو عمل شارلكان ويتهمه بأنه زور وثائق لا صحة لها تبرئة لنفسه من ذلك الجرم.

وبلغ السلطان سليمان مقتل رنسون بينما كان في بود فبلغ منه الغضب أنه كاد يقتل سفراء النمسا الذين عنده، ولولا توسط المعتمد الفرنسي «بولين

Boline » الذي أتاه بخبر قتل رنسون لكان السلطان من شدة غضبه قتلهم، وأما سياسة فرانسيس الأول فكان قد ظهر للسلطان أنها سياسة تذبذب وكاد يرغب عن صحبته إلا أن بولين المعتمد الفرنسي التجأ إلى خير الدين بربروس، وكان هذا أصبح مقربا جدا عند السلطان لا سيما بعد أن كسر أسطول شارلكان في بحر الجزائر، وكان بربروس يميل إلى فرنسا، فما زال بالسلطان حتى أقنعه بإرسال الأسطول العثماني نجدة لملك فرنسا على الإمبراطور شارلكان، وذلك سنة 1543، فسار الأسطول العثماني إلى نيس بقيادة خير الدين بربروس وكان مركبا من مئة وعشر بوارج عليها أربعة عشر ألف مقاتل، فانضم إليه أسطول ملك فرنسا بقيادة الكونت «دانغين

d’enghien » وكان مركبا من أربعين بارجة عليها سبعة آلاف مقاتل، فاستولى العثمانيون والفرنسيس على نيس ولكنهم اختلفوا، وقامت قيامة النصرانية على فرانسيس الأول من أجل تحالفه مع المسلين على النصارى، ومن أجل موافقته على إذلال النصرانية في بلادها حتى قيل: إن الكنائس في سواحل نيس لم تكن تجرأ على قرع أجراسها مدة إقامة الأسطول العثماني أمام نيس.

فتصالح فرانسيس الأول مع شارلكان، ووجه السلطان قوته إلى حرب المجر وفيلكا وسيكلوز وغران ونيوغراد وفيس غراد وفيلكا وغيرها، فأرسل شارلكان وأخوه فرديناند يلتمسان الصلح من السلطان، وكاد السلطان يجنح إلى الصلح لولا مساعي «جبرائيل دارامون

d’Aramonl » سفير فرنسا الذي كان يهون على السلطان أمر شارلكان قائلا له: إنه في المقيم المقعد مع أمراء البروتستانت في ألمانيا. فعاد السلطان سليمان وأجمع على الحرب وقرر الزحف، وكتب بذلك إلى الملك فرانسيس في شهر مايو 1547 فوصل كتاب السلطان إلى فرنسا بعد وفاة فرانسيس الأول فتبدلت الحالة، وجنح السلطان إلى مصالحة شارلكان وانعقدت بينهما متاركة لمدة خمس سنوات، على أن يدفع الأمير فرديناند أخو شارلكان للسلطان العثماني خمسين ألف دوكة كل سنة جزية عن القسم الباقي من بلاد المجر تحت ولايته.

ولما استراح فكر السلطان من جهة أوروبا وجهة نظره إلى آسيا، فاستنجده أمراء الإسلام في الهند على البرتغال وأنجدهم وأرسل فاحتل اليمن، ووقع القتال بين العثمانيين والزيديين، وكتب السلطان إلى إمام صنعاء يعاتبه على قتاله للجيش العثماني ولكن الامام أجابه بجواب سديد قائلا له: إننا نعلم بلاءك العظيم في حفظ بيضة الإسلام ولا نشكو منك، وإنما نشكو من سوء إدارة عمالك، وقد كان الأولى بهم أن يسوقوا هذه القوة على الكفار بدلا من أن يسوقوها على المسلمين الذين هم على كل حال تبعة السلطان. وهذا الكتاب مذكور في تاريخ البرق اليماني. ثم جاء ابن شاه العجم والتجأ إلى السلطان فزحف السلطان إلى تبريز وفتحها بعد أن فتح «وان» ثم فتح جانبا من «كرجستان».

وبينما كان جيشه يتقدم في آسيا إذ تجددت الحرب في بلاد المجر، وذلك أن الملك سابوليا كان أوصى امرأته إيزابيلا بقسيس اسمه «جورج مارتيموزي» فصارت تعمل برأيه، وكان هذا القسيس يشتغل لفصل الملكة إيزابيلا عن السلطان ولتأليفها مع الأمير فرديناند، وأقنعها بأن تترك له «ترانسلفانيا» و«اليانات» وكل ذلك لم يعلم به السلطان إلا فيما بعد، فلما بلغه الخبر سير ثمانين ألف مقاتل فعبرت نهر الطونة واستولت على ليبيا، واشتدت الوقائع ولكنها انتهت بظفر السلطان، وأرسل أحمد باشا على أثر الواقعة أربعة آلاف أنف من أنوف النمسويين إلى الأستانة ورجعت أطمشوار والبانات إلى حكم الدولة العثمانية، وأخذ العثمانيون البارون «غوندن دورف» أسيرا مع أربعة آلاف مقاتل.

ثم استولى فرسان مالطة على طرابلس الغرب، فأرسل السلطان الأسطول العثماني فطردهم منها وضم تلك البلاد إلى السلطنة العثمانية، وكان هنري الثاني بن فرانسيس الأول لا يقل رغبة عن أبيه في محالفة الدولة العثمانية، وفي سنة 1551 تعهد هنري الثاني للسلطان بتأدية ثلاث مئة ألف قطعة ذهبية بدلا عن مساعدة الأسطول العثماني لفرنسا، ورهن تحت ذلك جانبا من سفنه، واتفقا على أن السلطان ينجده بستين مركبا حربيا وخمسة وعشرين مركبا من مراكب القرصان، وأنه إذا أراد ملك فرنسا أن يستعمل هذه القوة البحرية خارجا عن بحر طوسكانة فعليه أن يؤدي مئة وخمسين ألف ذهب، وتقرر أن جميع السفن التي يغنمها الأسطول العثماني تكون ملكا للسلطان، وأن المدن التي يستولي عليها العثمانيون يصير رجالها وأموالها ملكا أيضا للسلطان، إلا أن المدن نفسها تصير لملك فرنسا. وتقرر أن الأسطول العثماني يكتسح ما شاء من ممالك شارلكان ويسبي بقدر ما يستطيع، وسار الأسطول العثماني بقيادة «طورغوت ريس» وانضم إليه الأسطول الفرنسي بقيادة «البارون لا غارد» فاكتسحا بلاد كالابرة وصقلية واحتلا كورسيكا ودانت لهما جميع المدن التي في تلك السواحل.

ناپیژندل شوی مخ