كان اسم والد هنيبال هميلقار وهو من مشاهير قواد القرطجنيين، وكان وجيها فيهم لمقامه وثروته، ولما لأسرته من العلائق النسبية في قرطجنة، وما اشتهر به من الدربة الحربية الفائقة التي أبداها في اقتياد الجيوش إلى ساحات الظفر في البلدان الأجنبية، فهو شهر حروب قرطجنة في أفريقيا وإسبانيا، وقام بالأمر خير قيام، وذلك بعد انتهاء حروبها في رومية، وكان تائقا إلى إعادة الكرة على الرومانيين أيضا.
وقد ورد في دائرة المعارف الإنكليزية أن الاسم هنيبال، أو «حني بعل» كان من الأسماء القرطجنية الكثيرة الاستعمال، وهو مأخوذ فيما يقال من اسم البعل، فالقسم الأخير منه «بال» أو «بعل» هو اسم الإله «البعل» الذي كان القرطجنيون يعبدونه، وما قبله يماثل قولنا «عبد» الله؛ فهو إذن يفيد أن حني بعل هو «عبد» البعل، والذي يرضى عنه البعل.
وكان هنيبال المشهور وبطل الحرب القرطجنية الثانية ابن هميلقار برقا ولد في عام 247 قبل المسيح، وهو وأخواه هسدوربال وماغو كانوا معروفين بلقب أعطاهم إياه والدهم، وهو «أشبال الأسد». وعندما بلغ هنيبال التاسعة من عمره كان أبوه يتأهب للحملة على إسبانيا، فتوسل إليه أن يصحبه معه فوعده بذلك، وشرع في إقامة الحفلات الدينية وغيرها إيذانا بدنو سفره؛ إذ كانت العادة في ذلك الزمن أن الشعوب التي تؤذن بعضها بحرب تقيم الاحتفالات؛ لاسترضاء الآلهة وطلب معونة السماء.
والأمم المسيحية في هذا الزمان تفعل الشيء ذاته بإقامة الصلوات في كل بلاد لنجاح جيوشها في المعترك، أما الوثنيون فكانوا يفعلون ذلك بتقديم الضحايا والخمور والتقدمات المختلفة، وكان هميلقار يعد تلك الضحايا المراد تقديمها بواسطة الكهنة وفي حضرة الجيش بكامله، وكان هنيبال حاضرا يومئذ وهو ابن تسع سنين كما تقدم القول، وقد عرف في حداثة سنه بالنشاط والإقدام والروح العالية، فشارك المحتفلين باحتفالاتهم، وصرح بعزمه على الذهاب إلى إسبانيا مع الجيش، وهكذا ألح على والده ليتيح له ذلك.
فلم يشأ والده السماح له بالذهاب؛ لأنه كان حديث السن بحيث لا يقوى على تحمل متاعب تلك السفرة، وما يلقى فيها الجندي من المشاق المتنوعة، على أنه في آخر الأمر أتى به إلى أمام المذبح، وأمره أن يضع يده على الضحية، ويقسم اليمين المعظمة متعهدا بأنه متى بلغ الرشد وتوفرت له المقدرة يتابع محاربة الرومانيين، فأقسم اليمين التي قررت مستقبل حياته، والتي إنما أرغمه عليها والده لتكبير نفسه وتحقيق آماله من حيث الذهاب مع الجيش، وقد هيأ له بذلك عدوا كبيرا يحاربه في مقبل الأيام.
فاحتفظ هنيبال باليمين، وقد كان شديد الشوق للوصول إلى الوقت الذي يتاح له فيه الزحف بجيش لهام لمحاربة الرومانيين. وهكذا فإن هميلقار قضى سنة الوداع وركب البحر يريد إسبانيا، وأطلقت له الحرية أن يتوسع في فتوحاته، ويغزو كل الأنحاء الواقعة غربي نهر إيباروس، وهو نهر يجده القارئ على الخارطة منسابا جنوبا بشرق إلى بحر الروم، وقد تبدل اسمه مع الأيام فأصبح في هذا الحين إبرو.
وكان من جملة مواد المعاهدة التي عقدها أهل قرطجنة مع الرومانيين: أنه لا يحق للقرطجنيين عبور نهر إيباروس، وكانوا أيضا مرتبطين بتعهد في تلك المعاهدة بألا يعتدوا على سكان ساغونتوم، وهي مدينة واقعة بين نهر إيباروس وأملاك قرطجنة، وكانت ساغونتوم حليفة للرومانيين وتحت حمايتهم.
وكان هميلقار قلقا شديد الانزعاج لاضطراره إلى تحاشي مناهضة دولة الرومانيين، فبدأ حال وصوله إلى إسبانيا يرسم الخطط الحربية لتجديد الحرب، وكان معه تحت إمرته شاب بوظيفة ملازم أول في جيشه قد تزوج بابنته اسمه هسدروبال، فاستعان به على التوسع في اجتياح إسبانيا، وتقوية موقفه هناك، واستكمال خططه تدريجا مع الأيام لتجديد الحرب مع الرومانيين، ولكنه قبل أن يبلغ مشتهاه من ذلك أدركته المنية، فخلفه هسدروبال على القيادة.
وكان هنيبال يومئذ، وهو في الحادية والعشرين من عمره أو أكبر من ذلك بسنتين، باقيا في قرطجنة، فبعث أسدروبال إلى حكومة قرطجنة بطلب هنيبال؛ ليكون معه في إسبانيا بوظيفة معلومة في الجيش، ذلك ما ورد عنه في مؤلفات أبوت عن «صانعي التاريخ»، أما دائرة المعارف البريطانية فتقول: إن هنيبال ذهب إلى إسبانيا قبل ذلك، وتمرن على الحركات العسكرية تحت مناظرة والده، وإنه حضر المعركة التي سقط أبوه فيها قتيلا في عام 228 قبل المسيح، وعمره يومئذ تسع عشرة سنة.
وكانت مسألة إرسال هنيبال إلى إسبانيا موضوع جدال عنيف في مجلس الشيوخ القرطجني، وتلك هي الحال في كل الحكومات الانتخابات من أقدم الأزمان إلى الآن، يحتدم الجدال على أمر من الأمور بين حزبين يعارض واحدهما الآخر وتكون الأكثرية هي الفاصلة، كذلك جرى في مسألة إرسالية هنيبال؛ إذ عارض حزب والده في قرطجنة حزب آخر يضارعه في القوة، وزعم الحزب المعارض في مجلس الشيوخ اسمه هنو؛ وكان شديد العارضة في المعارضة قوي الحجة فصيح اللسان، فألقى خطابا في ذلك المجلس يعارض به إرسال هنيبال إلى إسبانيا.
ناپیژندل شوی مخ