د نړیوال فلسفې تاريخ: د فیلسوف کارل یاسپرز وروستی لیکنه
تاريخ الفلسفة بنظرة عالمية: آخر نص كتبه الفيلسوف كارل ياسبرز
ژانرونه
لن يفهم الفكرة الفلسفية إلا من يقدر على التفلسف. ويعتقد بعض الناس اعتقادا ساذجا أن معرفة اللغة التي كتب بها النص الفلسفي تكفي لفهمه فهما عقليا واضحا، ويأخذون هذه المسألة كأنها أمر بديهي. ولكننا نطرح هذا السؤال: وماذا نفهم نحن حقا من فلسفة الماضي؟ إن الإحاطة بالمؤلفات الموجودة، ومعرفة المضمون العقلي للأفكار المثبتة فيها، والإلمام باستدلالاتها الصورية، والقدرة على تحديد التصورات والمفاهيم؛ كل هذا الذي ذكرناه لا يرقى إلى مستوى الفهم؛ فالفهم معناه أن نضع أنفسنا فيما نريد فهمه، لنتمكن من إعادة التفكير فيه انطلاقا من الأصل الذي انبثق عنه ، تتبع الفكرة العقلية لإدراك الحدس (أو العيان) اللامعقول الذي عبرت عنه ومشاركة المؤلف فيه، السماح لما لا يمكن قوله باللغة المباشرة بالتأثير على أنفسنا، الإنصات لما أراد المفكر أن يوصله إلينا بطريقة غير مباشرة. مثل هذا الفهم الحقيقي لا يتيسر إلا في حدود معينة، وبشروط ترجع إلى القارئ نفسه الذي يسعى إلى الفهم، وترتبط بحياته العقلية، وموقفه، وواقعه.
إن الذي يقدر على طرح السؤال الفلسفي هو الذي يستطيع أن يكتشف الجوانب الفلسفية المهمة في النص. والقاعدة تقول: «لا يدرك الشبيه إلا الشبيه.» ولكن ليس معنى هذا بحال من الأحوال أن نلتمس من النص تأييد رأي أو فكرة تشغلنا، وليس معناه كذلك أن تاريخ الفلسفة «ترسانة» نستخرج منها الأسلحة والحجج التي تبرر تفكيرنا الراهن (وكأن أمر التاريخ في ذاته سواء، أو كأن الحاضر يمكنه أن يستقل بنفسه ويستغني عن أساس يستند عليه). فالواقع أن الأمر على العكس من ذلك، وأن القارئ الذي يتفلسف بنفسه يستطيع أن يدرك الأفكار الفلسفية ولو كانت مضادة له، غريبة عليه، نابعة من أصول أخرى مختلفة عن أصوله تمام الاختلاف. إن المهم في الحقيقة هو التفلسف في حد ذاته، فهو الذي يتيح لي أن أتفلسف مع كل فيلسوف وأن أشارك في كل فلسفة ممكنة. ومع ذلك فثمة حد جديد يقف عقبة أمامنا، ويتصل بما نسميه «المستوى». فعلى المستوى الذي يستند إليه وجودنا وتفكيرنا يتوقف فهمنا لما هو قريب منا، أو مضاد لنا وغريب عنا. ومن السهل علينا أن ننفذ ببصرنا إلى المستويات الدنيا ونحيط بها، أما المستوى الذي يرتفع عن مستوانا فيظل عصيا ممتنعا علينا. من أجل هذا يثير فينا التفلسف الأصيل موقفا أساسيا: فنكون على استعداد لتسلق المستوى الأعلى، أو على الأقل لرؤيته والانتباه إلى وجوده، بحيث يصبح بالنسبة إلينا حدا ودافعا يحفزنا على التقدم، ويدلنا على سر لم ينكشف حتى الآن، وهذا الموقف الذي ذكرناه يتطلب القدرة على الإنصات ورد الفعل، والشعور بأننا لم نفهم بعد، وأن علينا أن نبذل الجهد للتوصل إلى الفهم، بحيث يكون هذا الفهم فعلا باطنا تكابده النفس بكل كيانها لا مجرد نظر عقلي.
وينتج عن هذا من ناحية أخرى أن نفقد كل اهتمامنا بالمؤلف الذي اعتقدنا يوما - وهذا أمر نادر - أننا قد أحطنا بتفكيره كله؛ ذلك لأن مثل هذا المؤلف لن يكون في نظرنا فيلسوفا، ولن يبقى منه إلا الفكر العقلاني الذي يتعامل مع المفاهيم، ويعرفها، ويوفق بينها، ويتصور أنه قد وضع يده على الكل. بيد أن المفكرين الذين لهم شأن في تاريخ الفلسفة هم أولئك الذين يكافحون ويصارعون، أولئك الذين لا يدعون أن السر قد كشف لهم القناع عن وجهه، والذين ندرسهم فلا نتعلم منهم مادة معرفية فحسب، بل يشدوننا في مجرى الصراع الدائر في داخلهم، ويعينوننا على تجربة دوافعهم ومطامحهم. ولن تكون لدراسة تاريخ الفلسفة أية قيمة ما لم يستمر فيه الكفاح المتصل للوصول إلى الرؤية الفلسفية الخاصة.
لنتمسك إذن بالتواضع ونحن نقبل على هذه الدراسة، فلم يتسن حتى الآن لإنسان واحد أن يطلع على جميع مؤلفات جميع الفلاسفة، أو يعرف كل اللغات التي تم بها التفلسف معرفة كافية. أضف إلى هذا أن حدود تفلسفنا الخاص هي نفسها التي تحد من قدرتنا على تصور تاريخ الفلسفة وفهم قدامى الفلاسفة. ولهذا فإن هذه القدرة تنمو وتتزايد بمقدار نمو تفكيرنا الخاص واتساع أفقه. (2)
إن استيعاب تاريخ الفلسفة متضايف مع التفلسف الشخصي. وليس معنى هذا على الإطلاق أن يوجه هذا التاريخ أو يبنى ويقوم من وجهة نظر فلسفية محددة؛ لأننا بهذا سننظر إليه من الخارج نظرة غير تاريخية. ولن يكون استيعابنا لتاريخ الفلسفة فلسفيا إلا إذا وفقنا في الاحتفاظ بوعينا بالشامل، وتمسكنا بفضل هذا الوعي بقدرتنا على الحركة وسط وجهات النظر المتعددة، وحرصنا على الانفتاح العالمي على كل ما يتسم بالطابع الفلسفي الحق.
من أجل هذا كله تتعذر كتابة تاريخ الفلسفة من وجهة نظر محددة؛ فليست الفلسفة عبر تاريخها كالوجه الإنساني الذي يمكننا رؤيته ووصف ملامحه بنظرة واحدة؛ من حيث مراحل تطوره الموضوعي، وظروفه وشروطه الاجتماعية والنفسية والبشرية ... إلخ (فكل هذه مناهج بحث مفيدة تتصل بوقائع، وظواهر، وجوانب جزئية مختلفة، دون أن تمس ماهية الفلسفة نفسها). وليس من سبيل إلى الفلسفة إلا بالتفلسف نفسه ومن داخله؛ قد يستطيع الإنسان أن ينفذ إليه، ولكنه لن يستطيع أن يحيط به إحاطة شاملة.
والنفاذ إلى صميم التفلسف لا يعني تبني وجهة نظر محددة، كما أن الاستيعاب التاريخي لا يعني تطبيق نسق ثابت أو تخطيط مسبق. إن فهم أفكار التراث وفلسفاته بفضل المعرفة المشتركة التي يكفلها «الشامل» هو الذي يجعلنا قادرين على التواصل الذي تتضح الأصول في ضوئه. ومن يدرس مؤلفات أحد الفلاسفة السابقين في إطارها التاريخي، ويلمس أعماقها الدفينة، سيحس هو نفسه بواقعه التاريخي الخاص، وتنكشف له أعماقه التي لا يسبر غورها. والمهم قبل كل شيء هو مدى توغل ذلك الشيء - الذي ينبثق من التاريخ ليوقظني - في أعماق الشامل الذي أكونه أنا نفسي. والمهم أيضا هو من ينصت في داخلي وما الذي ينصت إليه. إن التفلسف المشترك لينفذ - عبر التاريخ - في مجال إنسانيتنا ويكون التاريخية الواحدة التي يقوم عليها وجودنا بأكمله، والذي يهدينا ويقود خطانا هو وعينا بالأصل الواحد، والمصير الإنساني المشترك. كذلك فإن تاريخيتي الخاصة وتاريخية المفكر الغريب عني لا تفصلنا فصلا مطلقا، وإنما تربط بيننا برباط التاريخية المشتركة التي لن نتمكن أبدا من إدراك كنهها أو تحديد شكلها، وإن كان التواصل هو الذي سيجعلنا نشعر بها في صيرورة الوجود الكوني بأسره.
لهذه الأسباب لا توجد حقيقة وحيدة في صورة وجهة نظر أو نسق محدد. ولا يمكن أن تدعي الحقيقة أنها هي الحصيلة النهائية للمعرفة الراهنة وأن كل معرفة يجب أن ترتب على أساسها بحيث تكون مجرد إعداد وتمهيد لها.
وليس في تاريخ الفلسفة كذلك مركز واحد أو نقطة ثابتة ونهائية - كتلك التي يتصورها التفسير المسيحي للتاريخ في صلب المسيح، بل هنالك المكان اللانهائي الذي تعبر فيه الحقيقة عن نفسها بأصوات متعددة المعاني. وكل محاولة لتثبيت دائرة المفكرين العظام ستكون أشبه بلاهوت جديد، إن لم تكن نوعا من التعبير الجمالي عن عدم الإحساس بالمسئولية.
لا شك أن المفكرين الكبار يتفوقون علينا تفوقا لا حد له في عظمتهم وقوة إبداعهم وعمق وجودهم، ولكنهم بشر يشاركوننا المصير نفسه وليسوا آلهة. وإذا كنا ننظر إليهم نظرتنا إلى القدوة والمثل، فليس معنى هذا أن نقلدهم أو نقتفي آثارهم على طريق محدد مرسوم، بل معناه أن نتابعهم في السير على الدروب الباطنة التي لم تكتشف بعد. (3)
ناپیژندل شوی مخ