تاریخ فلسفه اسلام
تاريخ فلاسفة الإسلام: دراسة شاملة عن حياتهم وأعمالهم ونقد تحليلي عن آرائهم الفلسفية
ژانرونه
نقل أبو الحسن بن علي ابن الإمام الغرناطي تلميذ ابن باجه مجموعا من أقوال ابن باجه وهو ما يطلق عليه الفرنسيون لفظ
Cours
وكتب في صدره مقدمة جاء فيها:
هذا مجموع ما قيد من أقوال أبي بكر بن الصائغ رحمه الله في العلوم الفلسفية. وكان في ثقابة الذهن ولطف الغوص على تلك المعاني الجليلة الشريفة الدقيقة أعجوبة دهره ونادرة الفلك في زمانه، فإن هذه الكتب الفلسفية كانت متداولة بالأندلس من عهد «الحكم»، وهو الخليفة الذي استجلبها وهو مستجلب غرائب ما صنف بالمشرق. ونقل من كتب الأوائل وغيرها (نضر الله وجهه)، وتردد النظر في تلك الكتب فما انتهج فيها الناظر قبل ابن باجه سبيلا. وما تقيد عن الناظرين في تلك الكتب قبل ابن باجه إلا ضلالات وتبديل كما تبدد عن ابن حزم الأشبيلي. وكان من أجل نظار زمانه وأكثرهم لمن تقدم على إثبات شيء من خواطره، وكان أحسن منه نظرا واثقب لنفسه تمييزا.
وإنما انتهجت سبل النظر في هذه العلوم بهذا الحبر وبمالك بن وهيب الأشبيلي، فإنهما كانا متعاصرين، غير أن مالكا لم يقيد عنه إلا قليل نزر في أول الصناعة الذهنية (المعقولات)، ثم أضرب الرجل عن النظر ظاهرا في هذه العلوم وعن التكلم فيها لما لحقه من المطالبات في دمه لسببها، ولقصده الغلبة في جميع محاوراته في فوز المعارف.
وظاهر من هذه النبذة أن المطالبات في دم ابن وهيب الأشبيلي (الاضطهادات) لم تكن بسبب اشتغاله بهذه العلوم العقلية والفلسفية فقط، بل كانت بسبب خلقه؛ فقد كان يقصد الغلبة في جميع محاوراته في فوز المعارف، وربما كان هذا السبب الثاني أدعى إلى الاضطهاد وإلى غيظ العوام منه وحملتهم عليه. على أن ابن وهيب لم يكن فيلسوفا بحق؛ وذلك لأنه لم تكن تلوح على أقواله ضياء هذه المعارف الفلسفية ولا قيد فيها باطنا شيئا عثر عليه بعد موته. ثم إن ابن وهيب أعرض عن الفلسفة وأقبل على العلوم الشرعية فظهر فيها.
أما ابن باجه فقد نهضت به فطرته الفائقة، ولم يهجر النظر والاستنتاج والتقييد لكل ما ارتسمت حقيقته في نفسه على أطوار أحواله وكيفما تصرف به زمنه. (2-4) العلوم التي أتقنها ابن باجه
لقد أثبت ابن باجه في الصناعة الذهنية (المعقولات) وفي أجزاء العلم الطبيعي ما يدل على حصول هاتين الصناعتين في نفسه، صورة ينطق عنها ويفصل ويركب فيها فعل المستولي على أمرها والمتمكن منها غاية التمكن.
وله تعاليق في الهندسة وعلم الهيئة تدل على براعته في هذا الفن.
وأما العلم الإلهي فلم يوجد في تعاليقه شيء مخصوص به اختصاصا تاما، إلا نزعات تستقرأ وتستنتج من قوله في رسالة الوداع التي سبق ذكرها واتصال الإنسان بالعقل الفعال وإشارات مبعثرة في أثناء أقاويله، لكنها في غاية القوة والدلالة على نزوعه في ذلك العلم الشريف الذي هو غاية العلوم ومنتهاها، وكل ما قبله من المعارف فهو من أجله وتوطئة له، ومن المستحيل أن ينزع في التوطئات وتنفصل له أنواع الوجود على كمالها، ويكون مقصرا في العلم الذي هو الغاية وإليه كان التشوق بالطبع لكل ذي فطرة بارعة، وذي موهبة إلهية ترقيه عن أهل عصره وتخرجه من الظلمات إلى النور كما كان ابن باجه رحمه الله. (2-5) المقارنة بينه وبين أكابر فلاسفة المشرق
ناپیژندل شوی مخ