تاریخ فلسفه اسلام
تاريخ فلاسفة الإسلام: دراسة شاملة عن حياتهم وأعمالهم ونقد تحليلي عن آرائهم الفلسفية
ژانرونه
والصنف الثاني الطبيعيون وهم قوم أكثروا بحثهم عن عالم الطبيعة وعن عجائب الحيوان والنبات وأكثروا الخوض في علم تشريح أعضاء الحيوانات، فزعموا أن النفس تموت ولا تعود، وجحدوا الآخرة، وأنكروا الجنة والنار، والقيامة والحساب، فانحل عنهم اللجام وانهمكوا في الشهوات انهماك الانعدام، والصنف الثالث وقد وصفهم الغزالي بأنهم الإلهيون وهم المتأخرون، منهم سقراط وهو أستاذ أفلاطون، وأفلاطون أستاذ أرسطوطاليس، وأرسطوطاليس هو الذي رتب لهم المنطق وهذب العلوم وخمر لهم ما لم يكن مخمرا من قبل، وأنضج لهم ما كان فجا من علومهم، وهؤلاء الإلهيون ردوا على الصنفين السابقين وهم الدهريون والطبيعيون، وأوردوا في الكشف عن فضائحهم ما أغنوا به غيرهم، ثم رد أرسطوطاليس على أفلاطون وسقراط ومن كان قبله من الإلهيين ردا لم يقصر فيه حتى تبرأ عنهم جميعا.
ومن العجيب أن الإمام الغزالي مع اعترافه بفضل فلاسفة الإغريق لا سيما أرسطو، فإنه عاب على الفلاسفة الإسلاميين اتباعهم إياه، وذكر أن ابن سينا والفارابي لم يقم بنقل أرسطو من فلاسفة الإسلام أحد كقيام هذين الرجلين. وكان هذا بالطبع قبل ظهور ابن رشد ولو أدركه الغزالي لفضله عليهما وإن كان لهما فضل السبق والتقدم.
7
ولما فرغ الغزالي من النظر في العلوم الفلسفية، وقبل منها ما قبل، وزيف ما زيف شعر بأن علومهم غير وافية بكمال الغرض، فاتجه نظره إلى البحث في مذهب التعليم وغائلته، ولكنه قبل الشروع في درس هذا المذهب وصل إلى ما وصل إليه «عمانوائيل قانت» من أن العقل ليس مستقلا بالإحاطة بجميع المطالب، ولا كاشفا للغطاء عن جميع المعضلات وبهذه العقيدة الجديدة التي تعد المرحلة الثانية في تكوين عقل الغزالي، فإن المرحلة الأولى كانت التقليد، والثانية كانت البحث في أقوال المتكلمين والفلاسفة، أخذ يدرس مبادئ الطائفة التعليمية فابتدأ بطلب كتبهم كما فعل في كتب الفلسفة، وترتيب كلامهم ورتبه ترتيبا محكما مقارنا للتحقيق، واستوفى الجواب عنه حتى أنكر بعض أهل زمانه من العلماء عليه مبالغته في تقرير حجتهم، وقالوا إن هذا سعي لهم أي لطائفة التعليمية، وإنهم كانوا يعجزون عن نصرة طائفتهم لولا تحقيق الغزالي وترتيبه.
8
وليس هذا الاعتراض بين علماء الإسلام حديثا، فقد أنكر أحمد بن حنبل على الحارس المحاسبي كتابه في الرد على المعتزلة، فأجابه الحارث بأن الرد على البدعة فرض، فقال ابن حنبل: «نعم ولكنك حكيت شبهتهم أولا، ثم أجبت عنها فلم تأمن أن يطالع الشبهة من تعلق ذلك بفهمه، ولا يلتفت إلى الجواب أو ينظر إليه ولا يفهم كنهه.»
وما ذكره ابن حنبل حق ولكن في شبهة لم تنتشر ولم تشتهر، أما إذا انتشرت فالجواب عنها واجب ولا يمكن الجواب إلا بعد حكاية الشبهات على حقيقتها كما فعلنا في كتاب «الشهاب الراصد» الذي جعلناه ردا على موضوع الشعر الجاهلي.
ويظهر لنا أن الغزالي لم يكن مدفوعا إلى الرد على مذهب التعليم من تلقاء نفسه فقط، بل كان هناك دافع سياسي، لأنه بانتشار مذهب التعليمية شاع بين الناس تحدي هذه الطائفة بمعرفة معني الأمور من جهة الإمام المعصوم القائم بالحق، ويظهر أن الخليفة فطن إلى ما يتهدد مركز الخلافة من شيوع هذا المذهب فكلف الغزالي بالرد عليهم، فقال الغزالي في حكاية هذا التكليف ما نصه: «ثم اتفق أن ورد علي أمر حازم من حضرة الخلافة بتصنيف كتاب يكشف عن حقيقة مذهبهم فلم يسعني مدافعته، وصار ذلك مستحثا من خارج ضميمة للباعث الأصلي من الباطن.» وهذا ألطف ما يقال في حسن التعليل؛ إذ الظاهر من مذهب التعليمية أنه مزيج من السياسة والشريعة، والسياسة فيه أظهر، وقليل من الفلسفة اتخذه أربابه ترويجا لمذهبهم ليصبغوه بصبغة الحكمة فاقتدوا ببعض أقوال فيثاغورس.
فلم يكن هذا البحث يخلو من رائحة الفلسفة؛ لأن التعليميين لما عرضت لهم إشكالات لم يفهموها ولم يحلوها، وأحالوها على الإمام الغائب، قالوا إنه لا بد من السفر إليه وضيعوا عمرهم في طلب المعلم وفي التنجع بالظفر به.
9
ناپیژندل شوی مخ