تاریخ فلسفه اسلام
تاريخ فلاسفة الإسلام: دراسة شاملة عن حياتهم وأعمالهم ونقد تحليلي عن آرائهم الفلسفية
ژانرونه
وأما مكيافيلي فقد عقد فصلا في الإمارات الدينية (صفحة 120) بين فيه أن السيادة الدينية تبقى بفضل العادات والرسوم القديمة، وهي التي تسهل لأمرائها البقاء في السلطة. ولم يبحث في نسبة الدين إلى تأسيس الدول لأن النصرانية لم تنشئ دولة من نفسها. لكنه بحث في كيف وصلت الكنيسة إلى تلك القوة الدنيوية في أيامه حتى أرهبت ملك فرنسا وطردته من إيطاليا وقضت على أهل البندقية. وأسند ذلك إلى حاجة الأمراء إليها في التنازع بينهم وعندها البأس والقوة. وهو يعتقد أن قيام الدولة وثباتها إنما يكون بالجند، وعقد فصلا خاصا في واجبات الأمير نحو الجند المحارب فقال:
لا ينبغي للأمير أن يكون له مقصد وفكر ويعنى بدرس أمر سوى الحرب ونظامها وترتيبها؛ لأنها الصنعة الوحيدة الضرورية للذي يأمر وينهى، وفائدتها في أنها تحفظ ملك من يولد أميرا، وترفع إلى مرتبة الأمراء بعض الناس من الطبقات الأخرى، وقد رأينا أن الأمراء الذين يفكرون في الرفاهية أكثر من التفكير في الحرب يفقدون إمارتهم، والسبب الذي يفقد الأمراء ممالكهم هو احتقارهم الحرب، ووسيلة الحصول عليها هي التبحر في علوم الحرب.
وقد تجد في آراء ابن خلدون ما يرمي إلى مثل هذا الغرض. وإنما يختلف الرجلان في كيف تحفظ سيادة الأمراء على رعاياهم، فيرى مكيافيلي أن الوسيلة الفضلى إيقاع الهيبة والرعب في قلوب الرعية، وقد جعل ذلك في طريق البحث فقال:
ومن هذا ينشأ سؤال مهم وهو: أيهما أنفع للأمير أن يحب أكثر مما يخشى أم يهاب أكثر مما يحب؟ فالجواب أنه ينبغي له أن يكون محبوبا مهيبا، وحيث يصعب الجمع بين الحالتين، فإذا احتاج الأمير لأحدهما فالأفضل أن يهاب؛ إذ يحق القول عن الناس عامة أنهم ينكرون الجميل سريعو التحول مختلفو الطبائع والغرائز ميالون لاتقاء الأخطار ومحبون للكسب.
ويرى أن الأمير يجب أن يقود جيشه وأن يعرف بالقسوة؛ لأنه بدونها لا يستطيع أن يحافظ على اتحاد جيشه وطاعته (ص149). واستشهد على ذلك بهنيبال وغيره.
وعقد مكيافيلي فصولا في كيف ينبغي أن يتصرف الأمير لحفظ سيادته فقال (ص140): «إذن فينبغي للأمير الذي يريد أن يحفظ عرشه أن يتعلم كيف يقلل من طيبته وكيف يستعمل الخير أو ضده في الأوقات والأحوال المناسبة.»
وقال (ص142): «ويجب عليه أن لا يخشى عار المعايب التي يصعب عليه بدونها الاحتفاظ بالملك؛ لأن الإنسان إذا أمعن النظر رأى أن كثيرا من الأمور التي تظهر له أنها فضائل قد تؤدي به إلى الخراب إذا اتبعها، وكثيرا مما يبدو كأنه من الرذائل قد يؤدي إلى الخير والسلامة.»
وبحث في الكرم والبخل بالنظر إلى الأمراء، فكان حكمه «لا ينبغي للملك أن يهتم باتهامه بالبخل إذا كان يريد أن لا يسرق شعبه، ويدافع عن نفسه وقت الشدة، وأن لا يصير فقيرا محتقرا، وأن لا يصاب بالجشع؛ فإن رذيلة البخل من الرذائل التي تسهل له الاحتفاظ بالسلطة».
وأطلق لقلمه العنان في فصل «كيف يكون وفاء الأمراء»؛ يعني إذا عاهد الأمير أحدا على أمر هل يجب عليه الوفاء به؟ فقال: «لا يخفى على أحد ما يلحق بالأمراء من الثناء إذا اشتهروا بحفظ الوعود ومراعاة العهود، ولكن تجارب زماننا هذا دلت على أن الأمراء الذين لم يراعوا العهود قاموا بأعمال كبيرة، وتمكنوا من تحيير أوهام الناس بمكرهم، وتغلبوا في نهاية الأمر على الأمراء الذين اتخذوا الأمانة عادة والوفاء أساسا لحياتهم.»
ثم فصل الكلام في ذلك وقال إن الأمير ينبغي له أن تكون فيه طبيعتا الأسد والثعلب؛ فيفتك كالأسد ويحتال كالثعلب. إلى أن قال: «لذا ينبغي للأمير أن يكون ثعلبا ليتقي الحفائر والحبائل، وأسدا ليرهب الذئاب، أما من يريد أن يكون أسدا فقد فلا أمل له في النجاة، لأجل هذا لا ينبغي للأمير الحذر أن يحفظ العهود إذا كانت ضد مصلحته، أو ما دامت الأسباب التي دعت للوعد قد انقضى عهدها. إذا كان الناس كلهم أخيارا فإن القاعدة التي ذكرتها تكون لا شك سيئة، ولكنهم أشرار ولن يحفظوا لك عهدا، فلست مضطرا لحفظ عهودهم.» «ثم إن الأمير لا يفقد حيلة شرعية يركن إليها إذا لم يف بوعده، وإن الأمثال في هذا الباب كثيرة تثبت أن السلم قد تزعزع مرارا، وأن الوعود قد نسيت تكرارا عند أمراء لا وفاء لهم، وأن الأمراء الذين استطاعوا تقليد الثعلب قد فازوا وانتصروا، ولكن من الضروري أن يخفي الرجل هذه الخليقة، وأن يكون ماهرا في فن التظاهر بغير شعوره، ثم إن الناس من البساطة بمكان وهم أصحاب حاجات وصاحبها أرعن مطيع فلا يعدم الخادع فريسته.»
ناپیژندل شوی مخ