تاریخ فلسفه اسلام
تاريخ فلاسفة الإسلام: دراسة شاملة عن حياتهم وأعمالهم ونقد تحليلي عن آرائهم الفلسفية
ژانرونه
في إنكار بعث الأجساد وحشرها.
فهذه المسائل الثلاث لا تلائم الإسلام بوجه. ومعتقدها معتقد كذب الأنبياء، وأنهم ما ذكروه إلا على سبيل المصلحة تمثيلا لجماهير الخلق وتفهيما. وهذا هو الصريح الذي لم يعتقده أحد من فرق المسلمين.
فأما ما عدا هذه المسائل الثلاث من تصرفهم في الصفات الإلهية واعتقاد التوحيد فيها، فمذهبهم قريب من مذاهب المعتزلة ومذهبهم في تلازم الأسباب الطبيعية هو الذي صرح المعتزلة به في التولد، وكذلك جميع ما نقلناه عنهم قد نطق به فريق من فرق الإسلام إلا هذه الأصول الثلاثة.
فمن ير تكفير أهل البدع من فرق الإسلام يكفرهم أيضا به، ومن يتوقف على التكفير يقتصر على تكفيرهم بهذه المسائل، وأما نحن فلسنا نؤثر الآن الخوض في تكفير أهل البدع، وما يصح منه وما لا يصح، كي لا يخرج الكلام عن مقصود هذا الكتاب.
وبديهي أن هذه النتيجة الختامية الوديعة المتواضعة، لا تلتئم في شيء مع الطبل والزمر الذي بدأ به الغزالي كتابه، فقد يخيل لقارئه في أوله أنه سيخرق الأرض وسيبلغ الجبال، وأنه سيهدم قبة الفلسفة على رءوس الحكماء، ولن يبقى في بناء الأكروبول حجرا على حجر! وهو ذلك الهيكل الفخم الذي شاده القدماء لعبادة منرفا إلهة الحكمة.
ويظهر أن الغزالي كان يعرف طريقة «التمهيد بالمدافع»، فإنه حشد في مقدمة كتابه ألفاظا وجملا طنانة تدخل الرعب إلى قلوب خصومه، ثم أخذ يناقش الفلاسفة بطريقة شبه منطقية، ويعزز قوله في كل حين بعبارات دينية يعد من لا يؤمن بها كافرا، وهو بين جملة وجملة يلعن الفلاسفة ويسبهم ويحقرهم ويستعيذ بالله منهم ومن كفرهم.
كل ذلك على أشكال تهيج غيظ الحليم، وتبعث المتعجل على سوء الظن به، لا سيما وأن الغزالي يناقش الفلاسفة بأصول علومهم كأنه واحد منهم قد أتقن معرفتهم ووقف على أسرارهم، ثم شهر عليهم هذه الحرب الشعواء في كتبه، وهذا الذي ينفر القارئ الخالي الغرض من الغزالي مع أنه ذو شخصية مقبولة، وكان من أئمة الفكر البشري في الشرق.
وأغرب مما تقدم هبوط الغزالي من أفق التهويل بتلك الخاتمة البسيطة التي سحب بها معظم أبحاثه، فقد سبق فكفر الفلاسفة في عشرين مسألة، وتصدى للرد عليهم من أرسطو إلى ابن سينا ناقدا ومفندا ومظهرا أوجه الخلاف والتناقض.
ثم اختصر العشرين مسألة واقتصر على ثلاث منها، ولو كانت غايته الحقيقة تكفير الفلاسفة في تلك المسائل الثلاث لاقتصر عليها دون سواها، ولكن الغزالي كالمصارع الشهير تقدم إلى الميدان ليعجز خصمه في حركة بدنية تقتضي منتهى المهارة والحذق، فلما أتى بتلك الحركة استعذب الاستحسان، فاستمر في إبداء الخفة حتى أتى على عشرين حركة يقدر مصارعه على إتيان سبع عشرة منها، ولما أراد الانسحاب من ساحة المصارعة قال بصوت خافت للجمهور الذي استولت عليه الدهشة:
سادتي إنني أظهرت لكم مهارتي، والحقيقة أنني وخصمي متفقان إلا في ثلاث حركات، ولعلنا نتفق فيها أيضا إذا طالت فرصة الامتحان.
ناپیژندل شوی مخ