كتاب
تاريخ دنيسر
تأليف
الطبيب أبي حفص عمر بن الخضر بن اللمش
(٥٧٤هـ -٦٤٠؟ هـ)
عني بتحقيقه
إبراهيم صالح
دار البشائر
الطبعة الأولى
١٤١٣ هـ - ١٩٩٢ م
ناپیژندل شوی مخ
الْبَابُ الأَوَّلُ فِيمَنِ اشْتُهِرَ بِالْعِلْمِ وَالْحِلْمِ
١- فَمِنْهُمْ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ التُّرْكِيُّ:
قَرَأَ عَلَى أَبِي الأَصْبَغِ السَّمَاتِي الْمَعْرُوفِ بِابْنِ الطَّحَّانِ، وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الَّذِي أَشْهَرَ بِدُنَيْسَرَ قِرَاءَةَ الْقَرْآنِ كَثِيرًا، وَأَرْغَبَ النَّاسَ فِي ذَلِكَ، وَازْدَحَمَ عَلِيهِ الطَّلَبَةُ. وَأَكْثَرُ الَّذِينَ قَرَأُوا عَلِيهِ انْتَفَعُوا بِبَرَكَتِهِ؛ وَكَانَ فَقِيهًا حَنَفِيًّا، مُنْفَرِدًا بِعِلْمِ الْفَرَائِضِ، وَقِرَاءَةِ النَّاسِ [عَلِيهِ]، وَأَدْرَكْتُ آخِرَ أَيَّامِهِ فِي الصِّغَرِ، فَقَرَأْتُ عَلِيهِ شَيْئًا مِنَ الْفَرَائِضِ بِالْمَسْجِدِ الْمَعْرُوفِ بِمَسْجِدِ غَازِي، وَقِيلَ لِي: إِنَّ كِنَانَ تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ وخمسمئة.
1 / 27
٢- أَبُو بَكْرٍ عَتِيقُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ الْقُرَشِيُّ الْمُقْرِئُ الْمِصْرِيُّ:
هُوَ صِقِلِي الأَصْلِ، الْمِصْرِيُّ الْمَوْلِدِ وَالْمَنْشَأِ، مَارِدِيُّ الدَّارِ، ثُمَّ سَكَنَ دُنَيْسَرَ؛ كَانَ إِمَامًا بِالْمَسْجِدِ النِّظَامِيِّ، قَرَأَ الْقُرْآنَ بِالْقِرَاءَاتِ عَلَى ابْنِ الْكِيزَانِيِّ. وَأَبِي الْحَسَنِ الْبَطَائِحِّي، وَيَحْيَى بْنِ سَعْدُونٍ الأَزْدِيِّ، وَخَلْقٍ غَيْرِهِمْ، وَسَمِعَ الْحَدِيثَ مِنَ الْحَاجِبِ أَبِي الْفَتْحِ ابْنِ الْبَطِّيِّ، وَأَبِي الْقَاسِمِ بْنِ بُنْدَارٍ، وَغَيْرِهِمَا.
وَأَقْرَأَ بِدُنَيْسَرَ، وَأَسْمَعَ بِالْخِنْدِفِ؛ وَكُنْتُ أَقْرَأُ الْحَدِيثَ عَلِيهِ بِالْمَشْهَدِ الْمَعْرُوفِ بِعَمْرِو بْنِ خِنْدِفٍ، هَذَا لا يُعْرَفُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عَتِيقُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ الْمُقْرِئُ بِقِرَاءَتِي عَلِيهِ بِدُنَيْسَرَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ يَحْيَى بْنُ ثَابِتِ بْنِ بُنْدَارِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْبَقَّالُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
1 / 28
عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ طَلْحَةَ النِّعَالِي، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَهْدِيٍّ الْفَارِسِيُّ الدِّيبَاجِيُّ، قَالَ: أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي الْمَحَامِلِي، قَالَ: نَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَلِيسْتَنْثِرْ، وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلِيوتِرْ» .
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْمُبَارَكُ [بْنُ الْمُبَارَكِ] بْنِ هِبَةِ اللَّهِ بِقِرَاءَتِي عَلِيهِ بِالْحَرِيمِ، أَنْبَا أَبُو الْغَنَايِمِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُهْتَدِي بِاللَّهِ، أَنْبَا أَبُو الطَّيِّبِ طَاهِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّبَرِيّ، ثَنَا أبو أحمد ابن الْغِطْرِيفِ، ثَنَا أَبُو خَلِيفَةَ يَعْنِي الْفَضْلُ بْنُ الْحُبَابِ الْجُمَحِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ
1 / 29
شِهَابٍ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَلِيسْتَنْثِرْ، وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلِيوتِرْ» .
وَقَدْ رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَتَمَّ مِنْ ذَا:
أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ أنبا أو الغنايم، أنبا أبو الطيب، ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْغِطْرِيفِيُّ، ثَنَا أَبُو خَلِيفَةَ، ثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلِيجْعَلْ فِي أَنْفِهِ الْمَاءَ ثُمَّ لِيسْتَنْثِرْ، وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلِيوتِرْ» .
قَالَ أَبُو عُبَيْدِ فِي الاسْتِجْمَارِ: قِيلَ هُوَ الاسْتِنْجَاءُ بِالأَحْجَارِ.
وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عَتِيقُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ الْمُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ أَحْمَدَ بْنِ سَلْمَانَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْبطِّيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ جَعْفَرُ بْنُ يَحْيَى بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى بْنِ عبد الله المكي، أخبرنا أبو.. اللَّه الْبَغَوِيّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ.. .. مُحَمَّد.. .. عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ.. .. أَنَّ أَزْوَاجَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَرْسَلْنَ إِلَى أَبِي بكرٍ يَسْأَلْنَ مِيرَاثَهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؛ فَأَرْسَلَتْ إِلِيهِنَّ عَائِشَةُ ﵂: أَلا تَتَّقِينَ اللَّهَ؟ أَلَمْ يَقُلْ
1 / 30
رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: «لا نُوَرَّثْ، مَا تَرْكَنَاهُ صَدَقَةٌ»؟ قَالَ: فَرَضِينَ بِقَوْلِهَا وَتَرَكْنَ ذَلِكَ.
قُلْتُ: وَقَدْ أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَيُّوبَ، بِقِرَاءَتِي عَلِيهِ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَا طَاهِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطبري، ثنا أَبُو أَحْمَدَ الْغِطْرِيفُ، حَدَّثَنَا أَبُو خَلِيفَةَ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، عَنْ جُوَيْرِيَّةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، عَنِ ِالنَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: «لا نُوَرَّثْ، مَا تَرْكَنَاهُ صَدَقَةٌ» .
٣- الشَّيْخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ بْنِ شِهَابٍ الْحَنْبَلِي:
قِيلَ لِي: إِنَّهُ قَرَأَ عَلَى ابْنِ الطَّحَّانِ، وَغَيْرِهِ؛ وَكَانَ حَسِنَ الأَدَاءِ وَالتَّجْوِيدِ فِي الْقِرَاءَةِ، اجْتَمَعْتُ بِهِ مِرَارًا بِدُنَيْسَرَ، وَلَمْ أَقْرَأْ عَلِيهِ شَيْئًا.
1 / 31
٤- أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِي بْنِ الدَّبَّاسِ النيلي، يعرف بِابْنِ الزَّامِرِ:
قَرَأَ الْقُرْآنَ بِالْقِرَاءَاتِ كَثِيرًا عَلَى أَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْمُرَحِّبِ الْبَطَائِحِيِّ، سَكَنَ دُنَيْسَرَ، وَأَقْرَأْ بِهَا جَمَاعَةً الْقُرْآنَ وَالْقِرَاءَاتِ، وَقَرَأْتُ عَلِيهِ.
٥- أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ خَتْلَخَ النُّصَيْبِيُّ:
قَرَأَ بِالْقِرَاءَاتِ بِنَصِيبِينَ، وَهُوَ رجلٌ زاهدٌ، كَثِيرُ السِّيَاحَةِ، ملازمٌ لِقَرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَرُبَّمَا كَانَ يَغْلِبُهُ النَّوْمُ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي فَيَمْنَعُهُ عَنْهُ باجتهادٍ قَوِيٍّ.
نَزَلَ بِدُنَيْسَرَ مِرَارًا، وَأَقَامَ مَرَّةً بِالْمَسْجِدِ الرَّئِيسِيِّ بِالتَّلِّ، فَقَصَدْتُ زِيَارَتَهُ هُنَاكَ، وَقَرَأْتُ عَلِيهِ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ، وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ عِنْدَهُ بِمَا لِيسَ فِيهِ فَائِدَةٌ.
وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: النَّاسُ عَلَى أَرْبَعَةِ أحوالٍ: رجلٌ
1 / 32
يَدْرِي وَيَدْرِي أَنَّهُ يَدْرِي فَهَذَا عالمٌ فَاتَّبِعُوهُ؛ ورجلٌ يَدْرِي وَلا يدري أنه يدري فذا نَائِمٌ فَأَيْقِظُوهُ؛ ورجلٌ لا يَدْرِي وَيَدْرِي أَنَّهُ لا يَدْرِي فَهَذَا مُسْتَرْشِدٌ فَأَرْشِدُوهُ؛ ورجلٌ لا يَدْرِي وَلا يَدْرِي أَنَّهُ لا يَدْرِي فَهَذَا ضَالٌّ فَارْفُضُوهُ.
ثُمَّ قَالَ: [قَالَ] بَعْضُهُمْ فِي الْمَعْنَى شِعْرًا:
إِذَا كُنْتَ لا تَدْرِي وَلا أَنْتَ بِالَّذِي ... يُسَائِلُ مَنْ يَدْرِي فكيف بأن تدري
إذا كُنْتَ فِي كُلِّ الأُمُورِ بغمةٍ ... فَكُنْ هَكَذَا أَرْضًا يَطَاهَا الَّذِي يَدْرِي
جَهِلْتَ فَلَمْ تَعْلَمْ بِأَنَّكَ جاهلٌ ... فَمَنْ لِي بِأَنْ تَدْرِي بِأَنَّكَ لا تَدْرِي
وَمِنْ أَعْجَبِ الأَشْيَاءِ أَنَّكَ لا تَدْرِي ... وَأَنَّكَ لا تَدْرِي بِأَنَّكَ لا تَدْرِي
قُلْتُ: هَذَا الْكَلامُ الَّذِي سَمِعْتُهُ من الشيخ عثمان قد رُوِيَ عَنِ الْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ بإسنادٍ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا خَبَرٌ يُشْبِهُهُ:
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْفَضْلِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ فَارِسٍ، أَخْبَرَكُمْ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ نَصْرِ بْنِ الزَّاغُونِيِّ إِجَازَةً؛ وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ ثَابِتُ بْنُ الْمُشَرَّفِ بْنِ أَبِي سَعْدٍ الْخَبَّازُ فِي كِتَابِهِ، قَالَ: أخبرنا أبو بكر ابن الزَّاغُونِيِّ قِرَاءَةً
1 / 33
عَلِيهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَلِي بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبُسْرِيُّ إِذْنَا، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ.. .. قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ، حَدَّثَنَا.. .. عَنِ الْمَازِنِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْخَلِيلَ بْنَ أَحْمَدَ.. .. تُؤْجَرُ فِيهِ، ورجلٌ كَانَ عَالِمًا فَتَفَلَّتَ عِلْمُهُ فَذَاكِرْهُ تَنْفَعْهُ وَتَنْتَفِعْ؛ ورجلٌ يُرِيَكَ أَنَّهُ عالمٌ فَلا تُنَاطِقْهُ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَدْ حَدَّثَ فِي النَّاسِ رجلٌ آخَرُ: جاهلٌ يَسْتَجْهِلُ عِلْمَكَ فَاحْذَرْهُ عَلَى نَفْسِكَ.
1 / 34
٦- أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ أَبِي عَلِي بْنِ أَبِي نَصْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الإِسْعَرْدِيُّ:
قَرَأَ بِالْقِرَاءَاتِ عَلَى أَبِي الْجُودِ اللَّخْمِيِّ بِمِصْرَ، وَسَمِعَ بِهَا الْحَدِيثَ مِنْهُ، وَمِنْ غَيْرِهِ؛ ثُمَّ وَرَدَ عَلِينَا دُنَيْسَرَ فَقَرَأْتُ عليه بخان السَّبِيلَ الشِّهَابِيَّ، وَسَمِعْتُ مِنْهُ مَنَامَ حَمْزَةَ بْنِ حَبِيبٍ الزَّيَّاتِ.
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي عَمْرٍو عُثْمَانَ بْنِ أَبِي عَلِي الإِسْعَرْدِيِّ بِدُنَيْسَرَ، أَخْبَرَكُمْ أَبُو الْجُودِ غِيَاثُ بْنُ فَارِسٍ اللَّخْمِيُّ بِالْقَاهِرَةِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الْفُتُوحِ نَاصِرُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْحُسَيْنِيُّ الزَّيْدِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ يَحْيَى بْنُ عَلِي بْنِ الْفَرَجِ الْخَشَّابُ الْمُقْرِئُ بِقِرَاءَتِي عَلِيهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقَزْوِينِيُّ قِرَاءَةً عَلِيهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو الطَّيِّبِ عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ غَلْبُونٍ الْمُقْرِئُ قِرَاءَةً عَلِيهِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرِ بْنِ هَارُونَ السَّامِرِيُّ قِرَاءَةً عَلِيهِ، حَدَّثَنَا
1 / 35
أَبُو بَكْرٍ الْقَاضِي مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ الْمَعْرُوفُ بِوَكِيعٍ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ، حَدَّثَنَا مَجَّاعَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى حَمْزَةَ بن حَبِيبٍ الزَّيَّاتِ ﵀ وَهُوَ يَبْكِي، فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ: وَكَيْفَ لا أَبْكِي؟ رَأَيْتُ فِي مَنَامِي كَأَنِّي قَدْ عُرِضْتُ عَلَى اللَّهِ ﷿، فَقَالَ لِي: يَا حَمْزَةُ اقْرَأِ الْقُرْآنَ كَمَا عَلَّمْتُكَ؛ فَوَثَبْتُ قَائِمًا، فَقَالَ لِي: اجْلِسْ فَإِنِّي أُحِبُّ أَهْلَ الْقُرْآنِ. فَقَرَأْتُ حَتَّى بَلَغْتُ سُورَةَ طَهَ، فقلت: ﴿طوى وأنا اخترتك﴾ فَقَالَ: بَيْنَ ﴿طُوًى وأنَّا اخْتَرْنَاكَ﴾ ثُمَّ قَرَأْتُ حَتَّى بَلَغْتُ سُورَةَ يس، فَأَرَدْتُ أَنْ أُغِطِّيَ، فَقُلْتُ: ﴿تنزيل العزيز الرحيم﴾ فَقَالَ لِي: قُلْ: ﴿تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرحيم﴾ يَا حَمْزَةُ هَكَذَا قَرَأْتُ، وَهَكَذَا أَقْرَأْتُ حَمَلَةَ الْعَرْشِ، وَكَذَا يَقْرَأُ الْمُقْرِئُونَ؛ ثُمَّ دَعَا ﷿ بِسِوَارٍ فَسَوَّرَنِي، فَقَالَ: هَذَا بِقِرَاءَتِكَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ دَعَا بمنطقةٍ فَمَنْطَقَنِي، فَقَالَ: هَذَا بِصَوْمِكَ النَّهَارَ؛ ثُمَّ دَعَا بتاجٍ فَتَوَّجَنِي، ثُمَّ قَالَ: هَذَا لإِقْرَائِكَ النَّاسَ الْقُرْآنَ. يَا حَمْزَةُ لا تَدَعْ تَرْتِيلا فَإِنِّي نَزَّلْتُهُ تَنْزِيلا.
1 / 36
٧- أَبُو الْمَعَالِي بْنُ أَبِي الْجَيْشِ بْنِ أَبِي الْمَعَالِي الْمُقْرِئُ الدَّنَيْسَرِيُّ الْحُصَرِيُّ:
قَرَأَ الْقُرْآنَ بِالْقِرَاءَاتِ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ الْقُرْطُبِيِّ بِدِمَشْقَ، وَقَرَأَ عَلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ رجلٌ زاهدٌ يُحِبُّ الانْقِطَاعَ عَنِ النَّاسِ، وَالْخُمُولَ، وَكَثْرَةَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنَ، وَيَكْرَهُ الْجَاهَ، وَالْقُرْبَ مِنَ السَّلاطِينِ، وَأَنْ يَؤُمَّ بِهِمْ أَوْ بِأَتْبَاعِهِمْ، وَإِذَا عُرِضَ عَلِيهِ شيءٌ مِنْ ذَلِكَ امْتَنَعَ حَتَّى إِنَّهُ امْتَنَعَ مِنَ الإِمَامَةِ بِالْجَامِعِ الْغَرْبِيِّ بِدُنَيْسَرَ لِكَوْنِهَا وِلايَةً سُلْطَانِيَّةً.
1 / 37
الْبَابُ الثَّانِي فِي ذِكْرِ مَنْ سَكَنَهَا أَوْ مَرَّ بِهَا مِنْ مَشَايِخِ الْحَدِيثِ وَأَصْحَابِهِ وَرُوَاتِهِ وَعُلَمَائِهِ
٨- أَبُو عَلِي حَنْبَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَرَجِ بْنِ سَعَادَةَ الْمُكَبِّرُ الرُّصَافِيُّ الْبَغْدَادِيّ:
سَمِعَ جَمِيعَ مُسْنَدِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ الشَّيْبَانِيِّ مِنَ الرَّئِيسِ أَبِي الْقَاسِمِ ابن الْحُصَيْنِ، وَحَمَلَ إِلَى إِرْبِلَ فَأَسْمَعَهُ بِهَا، وَسَمِعْتُ بِهَا كَثِيرًا مِنْهُ، ثُمَّ رَحَلَ إِلَى دِمَشْقَ فَأْسَمَعَهُ بِهَا وَأَلْحَقَ هُنَاكَ الصِّغَارَ بِالْكِبَارِ، سَمِعَ عَلِيهِ أَهْلُ دُنَيْسَرَ شَيْئًا مِنْهُ حِينَ قَدِمَهَا عَلِيهِمْ فِي طَرِيقِهِ إِلَى الشَّامِ.
1 / 39
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي عَلِي حَنْبِلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَرَجِ بِإِرْبِلَ، أَخْبَرَكُمْ أَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْعَبَّاسِ بن الحصين الشيباني الكاتب، أنا أَبُو عَلِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِي بْنِ الْمُذَهِّبِ، قَالَ: أَنْبَأَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ بْنِ مَالِكٍ الْقُطَيْعِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ الشَّيْبَانِيُّ ﵁، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، ثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ النُّعْمَانِ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ وكَانَ قَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ ﷺ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اكْتَحِلُوا بِالإِثْمِدِ الْمُرَوَّحِ فَإِنَّهُ يَجْلُو الْبَصَرَ، وَيُنْبِتُ الشَّعْرَ» .
وَأَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِي بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ عَلِي بْنَ يَحْيَى الْمُدِيرَ أَخْبَرَهُمْ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أبو الحسين ابن النقور، أخبرنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُنْدِيُّ، حَدَّثَنَا
1 / 40
البغوي، حدثني جدي أحمد بن منيع، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «عَلِيكُمْ بِالإِثْمِدِ عِنْدَ النَّوْمِ، فَإِنَّهُ يَجْلُو الْبَصَرَ وَيُنْبِتُ الشَّعْرَ» .
قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَحَدَّثَنَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْهُذَلِي، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، وَعَلِي بْنُ هَاشِمٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَن ِالنَّبِيِّ ﷺ مثلَهُ.
وَأَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُظَفَّرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَمَّوَيْهِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ خُزَيْمٍ، ثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ:
1 / 41
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «عَلِيكُمْ بِالإِثْمِدِ عِنْدَ النَّوْمِ، فَإِنَّهُ يَشُدُّ الْبَصَرَ وَيُنْبِتُ الشَّعْرَ» .
وَأَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الْبَزَّارُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْفَرَجِ أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ حُبَابَةُ، حَدَّثَنَا البغوي، ثنا محمد بن سنان، ثنا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنِ الْفَرَافِصَةِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، قَالَ:
قَالَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: «عَلِيكُمْ بِالْكُحْلِ، فَإِنَّهُ يُنْبِتُ الشَّعْرَ وَيَشُدُّ الْعَيْنَ» .
أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْحُصَيْنِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُذَهَّبِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحمد، حدثني أبي، ثنا يعلى بن عبيد، ثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
قَالَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: «خَيْرُ أَكْحَالَكُمُ الإِثْمِدُ، يَجْلُو الْبَصَرَ وَيُنْبِتُ الشَّعْرَ» .
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: وَحَدَّثَنَا عَلِي بْنُ ثَابِتٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ النُّعْمَانِ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ هُوَذَةَ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَمَرَ بِالإِثْمِدِ الْمُرَوَّحِ عِنْدَ النَّوْمِ.
1 / 42
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْمُرَوَّحُ: الْمُطَيَّبُ بِالْمِسْكِ.
قُلْتُ: الإِثْمِدُ يَحْفَظُ صِحَّةَ الْعَيْنِ، وَيَجْلُوهَا مَدَّ الْبَصَرِ، وَيَحُلُّ مَا فِي الْعَيْنِ مِنَ الْكَدَرِ.
أَخْبَرَنَا حَنْبَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِي، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثَنَا أَبُو أُوَيْسٍ، حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ:
أَنَّ ِالنَّبِيِّ ﷺ خَرَجَ وَسَارَ وَهُوَ مَعَهُ نَحْوَ مَكَّةَ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِشِعْبِ الْخَرَّارِ مِنَ الْجُحْفَةِ اغْتَسَلَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَكَانَ رَجُلا أَبِيضَ حَسِنَ الْجِلْدِ وَالْجِسْمِ، فَنَظَرَ إِلِيهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، أَخُو بَنِيَ عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَهُوَ يَغْتَسِلُ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ كَالِيوْمِ وَلا جِلْدَ مخبأةٍ؛ فَلُبِطَ بِسَهْلٍ. فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ سهلٌ وَاللَّهِ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَمَا يُفِيقُ. قَالَ: «هَلْ تَتَّهِمُونَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ»؟ قَالُوا: نَظَرَ إِلِيهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ. فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَامِرًا، فَتَغَيَّظَ عَلِيهِ، وَقَالَ: «عَلَى مَا يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أخاه؟ هلا إذا رَأَيْتَ مَا يُعْجِبُكَ بَرَّكْتَ؟» .
ثُمَّ قَالَ: «اغْتَسِلْ لَهُ» . فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلِيهِ، وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ فِي قَدَحٍ، ثُمَّ صَبَّ ذَلِكَ الْمَاءَ عَلِيهِ، يَصُبُّهُ عَلَى رَأْسِهِ وَظَهْرِهِ
1 / 43
مَنْ خَلْفِهِ، ثُمَّ يُكْفِي الْقَدَحُ وَرَاءَهُ. فَفُعِلَ بِهِ ذَلِكَ، فَرَاحَ سهلٌ مَعَ النَّاسِ لِيسَ بِهِ بأسٌ.
قُلْتُ: قَوْلَهُ: لُبِطَ بِهِ: أَيْ صُرِعَ. وَقَوْلُهُ: بَرَّكْتَ: أَيْ دَعْوَتَ بِالْبَرَكَةِ. وَقَوْلُهُ: دَاخِلَةَ إِزَارِهِ؛ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: طَرْفَ إِزَارِهِ الدَّاخِلِ، الَّذِي يَلِي جَسَدَهُ، وَهُوَ يَلِي الْجَانِبَ الأَيْمَنَ مِنَ الرَّجْلِ، لأَنَّ الْمُؤْتَزِرَ [إِنَّمَا] يَبْدَأُ إِذَا اتَّزَرَ بِجَانِبِهِ الأَيْمَنَ، فَذَلِكَ الطَّرَفُ يُبَاشِرُ جَسَدَهُ فَهُوَ الَّذِي يُغْسَلُ. وَقَوْلُهُ: يُكَفِي الْقَدَحُ وَرَاءَهُ: أَيْ يَقْلِبُهُ وَرَاءَهُ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ِالنَّبِيِّ ﷺ أَحَادِيثُ فِي الْعَيْنِ، وَأَنَّهَا حَقٌّ، مِنْهَا قَوْلُهُ ﷺ: «الْعَيْنُ حَقٌّ» .
أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِي، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِي التَّمِيمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بكر ابن مَالِكٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: «الْعَيْنُ حَقٌّ» . أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
وَأَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْقَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ ثَابِتٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ مَهْدِيٍّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن مخلد، ثنا شُعَيْبُ بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ، قَالَ:
1 / 44
قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «الْعَيْنُ تُدْخِلُ الرَّجُلَ الْقَبْرَ، وَالْجَمَلَ الْقِدْرَ» .
وَقَدْ رُوِيَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَعْمَلُ نَظَرُ الْعَيْنِ مِنْ بعدٍ حَتَّى يُؤَثِّرَ؟
فَقَدْ أجاب شيخنا أبو الفرج ابن الْجَوْزِيِّ: أَنَّ طَبَائِعَ النَّاسِ تَخْتَلِفُ كَمَا يَخْتَلِفُ طَبَائِعُ الْهُوَامِّ، وَقَدْ جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ أَمَرَ بِقَتْلِ ذِي الطُّفْيَتَيْنِ مِنَ الْحَيَّاتِ وَالأَبْتَرِ، وَقَالَ: إِنَّهُمَا يَطْمِسَانِ الْبَصَرَ، وَيُسْقِطَانِ الْحَبَلَ؛ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ بِسُمٍّ فَصَلَ عَنْ أَعْيُنِهِمَا فِي الْهَوَاءِ حَتَّى أَصَابَ مَنْ رَأَيْنَهُ، فَكَذَلِكَ الآدَمِيُّ.
قَالَ ابْنُ السَّائِبِ: كَانَ فِي الْمُشْرِكِينَ مَنْ يَمْكُثُ الِيوْمَيْنِ وَالثَّلاثَةَ لا يَأْكُلُ، ثُمَّ يَرْفَعُ جَانِبَ خِبَائِهِ، فَتَمُرُّ بِهِ النِّعَمُ، فَيَقُولُ: لَمْ أَرَ كَالِيوْمِ إِبِلا، وَلا أَحْسَنَ مِنْ هَذِهِ. فَمَا تَذْهَبُ إِلا قَرِيبًا حَتَّى يَسْقُطَ مِنْهَا عِدَّةٌ.
وَقَالَ الأَصْمَعِيُّ: رَأَيْتُ رَجُلا عَيُونَا يَقُولُ: إِذَا رَأَيْتُ الشَّيْءَ يُعْجِبْنِي وَجَدْتُ حَرَارَةً تَخْرُجُ مِنْ عَيْنِي. وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ فِي النَّاسِ مَنْ تَلْسَعُهُ الْعَقْرَبُ فَتَمُوتُ.
قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: كَانَ الْمُتَوَكِّلُ قَدْ جِيءَ بِأَسْوَدَ مِنْ بَعْضِ الْبَوَادِي يَأْكُلُ الأَفَاعِي وَهِيَ أحياءٌ، وَيَتَلَقَّاهَا بِالنَّهْشِ مِنْ جِهَةِ رُؤُوسِهَا، وَيَأْكُلُ ابْنَ عِرْسٍ وَيَتَلَقَّاهُ بِالنَّهْشِ والأَكْلِ مِنْ جِهَةِ رَأْسِهِ، وَأُتِيَ بِآخَرَ يَأْكُلُ الْجَمْرَ كَمَا يَأْكُلُهُ الظَّلِيمُ.
1 / 45
فَلا تُنْكِرْ أَنْ يَكُونَ فِي النَّاسِ ذُو طَبِيعَةٍ ذَاتِ سُمٍّ وضررٍ، فَإِذَا نَظَرَ إِلَى الشَّيْءِ يُعْجِبُهُ فَصَلَ مِنْ عَيْنِهِ فِي الْهَوَاءِ شيءٌ مِنَ السُّمِّ فَيَصِلُ إِلَى الْمَرْئِيِّ فَيُعِلُّهُ.
وَمِمَّا يُشْبِهُ هَذَا، أَنَّ الْمَرْأَةَ الطَّامِثَ تَدْنُو مِنْ إنَاءِ اللَّبِنِ فَيَفْسَدُ اللَّبَنُ، وَلِيسَ ذَلِكَ إِلا لشيءٍ [فصَلَ من بدنها فو] صل إِلَى اللَّبَنِ. وَقَدْ تَدْخُلُ الْبُسْتَانَ فَتَضُرُّ بكثيرٍ مِنَ الْغُروسِ مَنْ غير أن تمـ[ـسها، وَلا يَخْتَمِرُ الْعَجِينُ] إِذَا وُضِعَ فِي الْبَيْتِ الَّذِي فِيهِ الْبِطِّيخَ، وَنَاقِفُ الْحَنْظَلِ تَدْمَعُ عَيْنَاهُ، وَكذَلِكَ قَاطِعُ الْبَصَلِ تَدْمَعُ عَيْنَاهُ، وَالنَّاظَرُ إِلَى الْعَيْنِ الْمُحْمَرَّةِ [تَعْتَرِي عَيْنَهُ حمرةٌ]؛ وَقَدْ يَتَثَاءَبُ الرَّجُلُ فَيَتَثَاءَبُ غَيْرُهُ. هَذَا آخِرُ كَلامِ الشَّيْخِ أَبِي الْفَرَجِ.
قُلْتُ: وَقَدْ رَوَى شَيْخُنَا حَنْبَلٌ عَنْ غَيْرِ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ الْحُصَيْنِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِي حَنْبَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرُّصَافِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْمَعَالِي مَنْصُورُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَنْصُورٍ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْغَزَّالِ السَّاقِي، أَخْبَرَنَا أَبُو الحسين ابن النَّقُورِ، حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ رَاشِدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ الواسطي، قال: أخبرني أبي رَاشِدِ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ، حَدَّثَنَا نَافِعٌ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ قَالَ:
أَتَى النَّبِيَّ ﷺ رجلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنِي [حَدِيثًا] وَاجْعَلْهُ وَجِيزًا؛ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: «صَلِّ صَلاةَ مودعٍ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ كُنْتَ لا تَرَاهُ
1 / 46