قال: وكان عند طغرلبك رسول الخليفة، وهو أبو محمد هبة الله بن محمد ابن الحسن بن المأمون مقيما يدعوه إلى بغداد ولا يدعه يقيم، ويروم منه صدق القصد ولا يريم. وطال بالحضرة حضوره، حتى حرك عزمه، فعزم على الحركة واندفع كالسيل، وكسا العلق عجاج فيلقه صبغة الليل، ولم يترك الترك وردا إلا شفهوه، ولا حسنا إلا شوهوه، ولا نارا إلا أرشوها، ولا دارا إلا شعثوها، ولا عصمة إلا رفعوها، ولا وصمة إلا وضعوها، وأجفل الملوك من الخوف أقدامهم، وتنحوا من طريق ضرامهم. فما جاءوا إلى بلدة إلا ملكوا مالكها، وملأوا مسالكها، وأرعبوا ساكنيها وأسكنوها الرعب، وغلبوا ولاتها وولوها الغلب. وأزوروا إلى الزوراء، وأشاعوا مد اليد بالغارة الشعواء.
ذكر دخول السلطان ركن الدولة طغرلبك أبي شجاع محمد بن ميكائيل بن سلجق إلى بغداد في 25 من رمضان سنة 447 ه ومعه الوزير عميد الملك أبو نصر محمد ابن منصور الكندري وهو أول وزراء السلجقية
قال: كان حصيفا فصيحا رجيحا نجيحا، متسلطا بمكانه، متمكنا من سلطانه، يرجى ويخشي، ويقصد ويغشي. والسلطان، بأذنه وناظره يسمع ويبصر، وبإذنه ونظره يرفع ويضع. وله البهجة المهيبة، واللهجة المصيبة. وكان مع السلطان طغرلبك يوم وصوله إلى بغداد، وقد خرج رئيس الرؤساء وزير الإمام القائم لاستقبال السلطان، ومعه أرباب المناصب وأصحاب المراتب. وقاضي القضاة والشهود، والجنود والبنود.
فلما وصل إلى نهر بين، لقيه صاحب للسلطان من المقربين. وقدم للوزير فرسا وقال: هذا مركوب السلطان وقربه، فنزل عن بغلته وركبه. وجاءه بعد ذلك عميد الملك أبو نصر الكندري في موكب ضخم، وفخر فخم. وقد وقف يتوقع مطلعه. فلما بصر به قصد عميد الملك أبو نصر أن يترجل فمنعه، وتعانقا راكبين وخلطا الموكبين.
مخ ۱۸۷