140

فأول ما رتبه في ديوان العرض السلطاني المحمودي محليا، فبرز في تلك الحلبة سابقا ومجليا. وغلب في تحليته ذكر الأبلج، فنعته الأتراك بالأبلج، واستقام في نجابته على المنهج. واتفق أنه لما تولى زنكي بن آق سنقر الشام تزوج بامرأة الأمير الأسفسلار، كندغدي، وولدها خاصبك بن كندغدي من أمراء الدولة وأبناء المملكة، وهو يسير معها، فرتبه العزيز جمال الدين لخاصبك وزيرا، فسار في الصحبة، وكان مقبل الوجاهة، مقبول الفكاهة. شهي الهشاشة، بهي البشاشة. فتوفرت مني زنكي على منادمته، وقصر صاحه ومساءه على مساهمته. وعول عليه في آخر عمره في إشراف ديوانه، وزاد المال بتمكنه ومكانه. فلم يظهر من جمال الدين في زمان زنكي جود، ولا عرف له موجود. فإنه كان يقتنع بأقواته، وتزجية أوقاته. ويرفع جميع ما يحصل له إلى خزانة زنكي استبقاء لجاهه، واستعلاء به على أشباهه. فمكنه زنكي من أصحاب ديوانه، فمنهم استضر بإساءته، ومنهم من انتفع بإحسانه. ولما قتل زنكي صار للدولة الأتابكية ملاذا، وللبيت الأقسنقري معاذا. واستوزره الأمير غازي بن زنكي، وآزره علي كوجك على وزارته، وحلف له على مظاهرته ومضافرته. فأجرى بحر السماح، ونادى حي على الفلاح، فصاحت بأفضاله ألفاظ الفصاح. وأتوا إليه من كل فج عميق، وقصد من كل بلد سحيق. وقصده العظماء، ومدحه الشعراء. وممن وفد إليه ومدحه أبو الفوارس سعد بن محمد بن الصيفي المعروف بحيص بيص. قال: وأنشدني لنفسه من قصيدة أولها:

يا للصوارم والرماح الذبل نصرا ومن إنجدتما لم يخذل

لو شئتما ومشية بمشية جاد الزمان وبالعلي لم يبخل

أنا فارس اليومين يوم مقالة ووغى، أصول بصارمي وبمقول

ي ومنها يصف بناءه لسور المدينة وعمارة قبر:

وتقر عين محمد بمحمد محيي دريسي علمه والمنزل

معمار مرقده وحافظ دينه ومعين أمه بجود مسبل

خرق يناط قميصه ورداءه بعباب زخار وهضبة يذبل

مخ ۳۲۲