وأهم علائم الحياة في اللغة تحكم عاملي التجدد والدثور في بنيتها كالإنسان في عنفوان شبابه، فتستغني عن ألفاظ وتراكيب، وتضم إلى نفسها ألفاظا وتراكيب حسبما تقضي به عوامل النشوء والارتقاء، أو كما يقولون حسبما يتطلبه قانون الانتخاب الطبيعي، ومن هذا نعلم أن العربية اليوم غيرها بالأمس. (3) عوامل تهذيبها
وليس في مقدور الباحث اليوم أن يحيط بكنه ما تقلبت عليه هذه اللغة من أطوار التهذيب وما مرت به من عوامل النماء والتوسيع، ولكن يمكن أن يقال على سبيل الإجمال، فإن أطوار تهذيبها وعوامل نمائها وتوسيعها تابعة لتطور أحوال المتكلمين بها، فإذا علمنا مثلا أن دولة حمورابي التي وصلت إلى ما وصلت إليه من رفعة الشأن والتبسط في العمران عربية النجار؛ نعلم عند ذاك أن هذه اللغة نالت على عهد هذه الدولة قسطها من التهذيب والنماء يقدران بمقدار ما أحرزته تلك الدولة من سعة العمران، وقوة السلطان.
ويقال مثل ذلك في الدول العربية الأخرى التي ظهرت لمع من أخبارها من خلال غبار العصور الخالية، مثل دولة العماليق في مصر المعروفة عند اليونان باسم «الهيكسوس» وعند قدماء المصريين باسم «الشاسو» أي الرعاة أو البدو، ومثل دولة معين في اليمن وسائر الدول اليمانية التي تبسطت في الفتوح، وتوسعت في الحضارة.
ومن هذا يتبين أن معرفة أطوار التهذيب لهذه اللغة تستمد من تاريخ الأمة العربية، فلنترك هذا الجانب للباحث في تاريخ العرب. على أنه لا يفوتنا أن أطوار التهذيب ليست قاصرة على ما تتقلب عليه الأمة العربية من الأحوال السياسية، بل هناك تطورات لها شأنها خارجة عن هذه التقلبات، منها: اتصال العرب بغيرهم بالمجاورة والمتاجرة وما إلى ذلك، ومنها انتشار القبائل في أنحاء الجزيرة وانفراد كل قبيلة بمحاسن من القول يغبطه عليها القبيل الآخر، ومنها الأسواق المشهورة والمجامع المذكورة مثل: عكاظ ومجنة وذي المجاز، ومنها الحج وغير ذلك.
هذا أمر تطورها في الجاهلية، وأما في الإسلام فلأطوار التهذيب تاريخ واضح المنهج، سنلم به في غير هذا الموطن إن شاء الله تعالى. (4) عوامل نمائها وتوسعها
أما عوامل النماء في اللغة فكثيرة، أهمها: الاشتقاق، والنحت، والقلب، والإبدال، والاشتراك، والتضاد، والترادف، والمجاز، والكناية، والإصلاح، والتوليد، والتعريب.
وإذا أنعمت النظر في هذه العوامل تجدها على قسمين؛ قسم منها يرجع إلى بنية اللغة مثل الاشتقاق، وقسم تستمده اللغة من الخارج مثل التعريب. وهذا أشبه شيء بكيفية نماء الأجسام الحية، فإن وسائل نمائها على درجتين؛ الأولى: تمثيل الأغذية التي تستمدها من الخارج، والثانية تحصل بتكاثر الخليات بانقسام الواحدة منها إلى اثنتين، ثم انقسام كل من الاثنتين وهكذا. (4-1) الاشتقاق
يقول الصرفيون: إن الاشتقاق أخذ صيغة من أخرى مع اتفاقهما في أصل المادة والمعنى، ليدل بالثانية على المعنى الأصلي مع زيادة مفيدة لأجلها اختلفت حروفهما أو حركاتهما أو هما معا، مثل: «كتب» من الكتابة، و«قرأ» من القراءة، وبعبارة أخرى هو رد لفظ إلى آخر لمناسبة بينهما في المعنى والحروف الأصلية.
وقد ذكروا له نوعين؛ الأول: الاشتقاق الأصغر، وهو المشهور بين علماء العربية، وإذا أطلق الاشتقاق ينصرف إليه. والثاني: الاشتقاق الأكبر، وأهم مميزاته عن سابقه أنه لا يشترط فيه الترتيب في الحروف بين المشتق والمشتق منه.
والمذهب المعول عليه بين علماء العربية أن الكلم بعضه مشتق وبعضه غير مشتق. وذهبت طائفة من المتأخرين إلى أن الكلم كله مشتق، وهذا مذهب غير مفهوم؛ لأنه لو كانت كل لفظة نوعا من غيرها للزم ألا يكون هناك أصل وهذا محال، اللهم إلا إذا قالوا: إن المراد بذلك أن الكلمة لا تخلو من أحد أمرين؛ إما أن تكون مشتقة أو مشتقا منها، فحينئذ يمكن أن يذكر قولهم هذا مع الأقوال، ويحتمل المناقشة والجدال. وتذهب طائفة ثالثة إلى أنه ليس هناك اشتقاق ما وأن الألفاظ كلها أصل، وهو قول بعيد عن التحقيق.
ناپیژندل شوی مخ