د عربانو په علومو کې څیړنې
بحوث في تاريخ العلوم عند العرب
ژانرونه
9
وكثيرا ما يستشهد البيروني في مقدمات أبحاثه بالآيات الكريمة الدالة على هذا، ولا شك أن البعد الإيماني من العوامل التي زرعت في شخصية البيروني عشقا للعلم، تجسده الأقصوصتان المذكورتان.
وهذا العشق المتأصل للعلم وراءه نبوغ مبكر، يكاد يكون الشيء الوحيد المثبت عن حداثته،
10
فقد ولد البيروني في خوارزم لأسرة فقيرة مغمورة من أصل فارسي، فلا نعلم شيئا عن نشأته إلا شغفه بالعلم وحرصه على تدوين ما يصل إليه من معلومات منذ اليفاعة وبواكير الصبا.
ومن ثم نجده أتقن علوم اللغة العربية، شأن كل أعلام الحضارة الإسلامية التي تتمركز حول محورها الثابت ألا وهو القرآن المبين. أما لغة البيروني الأم؛ أي اللغة الخوارزمية فهي لهجة من لهجات اللغة التركية مطعمة بمفردات كثيرة فارسية، وهي لغة شعبية أو عامية. لم تكن آنذاك من لغات الكتابة والإنتاج العلمي والثقافة. الثقافة آنذاك اقتصرت على اللغة العربية أولا ثم الفارسية، وقد أجاد البيروني كليهما وبلغ فيهما من البلاغة وسلاسة التعبير مبلغا يعز على الأهلين من العرب والفرس، وإخراجه لعلمه «التفهيم لأوائل صناعة التنجيم» باللغتين العربية والفارسية يبين إلى أي حد تملك ناصيتهما وأجادهما، ويشتهر عنه قوله: «إن الهجو بالعربية أحب إلي من المدح بالفارسية.» فيوجه لطمة قوية للنزعات الشعوبية التي حاولت عبثا الإعلاء من شأن الفرس على العرب. فقد دان البيروني بالولاء العظيم والعميق للعروبة.
وعلى هذه الأسس يمكن أن نتفهم نصا بالغ الأهمية والدلالة، قاله البيروني في مقدمة كتابه «الصيدلة في الطب» واستهله بتأكيد أن كل أمة من الأمم - اليونان والعبرانيين والنصارى والهنود والمغاربة ... - موصوفة بالتقدم في علم أو عمل، ثم يقول أبو الريحان:
ديننا والدولة العربية توءمان، يرفرف على أحدهما القوة الإلهية، وعلى الآخر اليد السماوية، وكم احتشد طوائف من التوابع وخاصة منهم الجيل والديلم، في إلباس الدولة جلاليب العجمة، فلم تنفق لهم في المراد سوق، ما دام الأذان يقرع آذانهم كل يوم خمسا، وتقام الصلوات بالقرآن العربي المبين خلف الأئمة صفا صفا، ويخطب به لهم في الجوامع بالإصلاح كانوا كاليدين والفم، وحبل الإسلام غير منفصم وحصنه غير منثلم ، وإلى لسان العربية نقلت العلوم من أقطار العالم وسرت محاسن اللغة منها في الشرايين والأوردة، وإن كانت كل أمة تستحلي لغتها التي ألفتها واعتادتها واستعملتها في مآربها مع آلافها وأشكالها، وأقيس هذا بنفسي وهي مطبوعة على لغة لو خلد بها علم لاستغرب استغراب البعير على الميزاب، والزرافة في المكراب، ثم منتقلة إلى العربية والفارسية، فأنا في كل واحدة دخيل ولها متكلف، والهجو بالعربية أحب إلي من المدح بالفارسية.
11
التسامح والانفتاح على تراث كل الأمم، وراءه إيمان العالم بوحدة العلم وتكامل الجهود في طريقه، ولم يتعارض هذا مع إيمان معتز بالدين الإسلامي، جعله يرفع من شأن العروبة ولغتها الجميلة التي ترجم إليها أسفارا، ثم تعود موضوعية العلم لتؤكد أن كل اللغات سواسية من الناحية الموضوعية، متفاضلة على أسس ذاتية. فينحو على ذاته ويتذكر لغته الخوارزمية - التي هي غريبة ومغتربة عن العلم - لكنه اقتحم لغتي الثقافة؛ أي العربية والفارسية وللأسباب الدينية والحضارية المذكورة تعلو الأولى على الثانية إلى أبعد الحدود.
ناپیژندل شوی مخ