د عربانو په علومو کې څیړنې
بحوث في تاريخ العلوم عند العرب
ژانرونه
وأخيرا، بل أولا يبقى أولئك الذين يتحملون المسئولية المباشرة للتراث العلمي العربي، المعروفون باسم الطبائعيين، وكأن ثمة مصادرة على إبقائهم خارج دائرة الفلسفة التي كانت آنذاك تحوي كل الإسهام العقلي ذي الاعتبار.
فضلا عن أن المتكلمين عدوهم زنادقة ملحدين، ولئن كانت أفكارهم الفلسفية غير مترابطة وغير نسقية، ربما لاهتمامهم أكثر بالوقائع التجريبية، وهم أنفسهم نادرا ما واتتهم الجرأة على أن يعتبروا أنفسهم فلاسفة، فإن المسائل الفلسفية فرضت نفسها عليهم، بحيث إن إسهامهم الفلسفي جزء تكميلي لتاريخ العلم وتاريخ الفلسفة.
18
فضلا عن تمركز دورهم في تشكيل الطبيعيات الإسلامية وتأصيلها فلسفيا.
في وقت مبكر - منذ القرن الثاني الهجري - وقع رائدهم التجريبي الشهير جابر بن حيان في إسار إيمانه الطاغي بحيوية الطبيعة وكل شيء فيها، بل رآها عاقلة مريدة، والكواكب قوي حية علوية تمارس تأثيرها. الفرق بينها وبين الله، هو دخول المادة فيها، ولعل إفراط جابر في حيوية الطبيعة والتنجيم - وهو الذي يتصدر باكورة الاهتمام الإسلامي التواق بالطبيعة - هو الذي أدى إلى ثبوتهما المزعج في الطبيعيات الإسلامية، فلا ننسى دور «علوم الأوائل» وما حملته من تيارات غنوصية وهرمسية.
أما في القرن الرابع الهجري، حين بدأ هؤلاء الطبيعيون في التميز كفئة، أو كدائرة من الدوائر التي ارتسمت حول الوحي في هذا القرن، آمن بحيوية الطبيعة والتنجيم الطبيب العالم أبو بكر الرازي، وكان إيمانه بالغ الحماس. لقبه المتكلمون بالملحد الكبير الخارج عن الروح الإسلامية، والحق أنه «تبنى موقف الحرانيين تبنيا كاملا»
19
وهم مدرسة ظهرت في حران، انتهت إلى تجسيم الله، والطبيعة والحياة والبشر، وتغلغلت في التراث الإسلامي. تأثر بها الكندي وإخوان الصفا وابن سينا، وينسب إليها عابد الجابري ما حملته الفلسفة المشرقية من عناصر هرمسية وغنوصية أدت إلى انتقال البيان إلى العرفان.
ويكاد يكون الرازي أكمل تمثيل لتلك الفلسفة الحرانية. أنكر مثلهم المعجزات والنبوة؛ لأن الناس سواسية في إمكان الاتصال بالعالم العلوي، عن طريق تطهير النفس ومفارقة المحسوسات، وقال بقدمائهم الخمسة: الهيولي، والصورة أو النفس، والزمان، والمكان، والحركة. كلها لا متناهية، وكل لا متناه قديم، والخلق من العدم مستحيل. الخلق حدث من اشتياق النفس إلى الهيولي. إن الرازي يسخر نظرية الفيض ذات الأصول المثالية، لكن التطور النسبي لمنجزات العلوم الطبيعية - في عصره عموما، وعلى يديه خصوصا - مكنه من توجيه نظرية الفيض توجيها ماديا أكثر.
بصفة عامة، ابتعد هؤلاء العلماء عن طريق المتكلمين، وتلمسوا طريق الفلاسفة. تولوا عن فيثاغورث والفيض، وساروا مع الأرسطية عموما وبصفة غير ملزمة، وعلى الرغم من أن اهتمامهم كان بالوقائع المادية وما ينجم عنها من آثار، وكانت عنايتهم فقط بدراسة الطبيعة وظواهرها المادية، فإنهم جميعا «جاوزوا الطبيعة والعقل والنفس في أبحاثهم، وارتقوا إلى ذات الله، فجعلوه العلة الأولى أو الصانع الحكيم الذي تتجلى حكمته ويتمثل إحسانه في مخلوقاته.»
ناپیژندل شوی مخ