تاريخ علم الادب: عند الافرنج او العرب او فکتور هوکو
تاريخ علم الأدب: عند الإفرنج والعرب وفكتور هوكو
ژانرونه
والخلاصة كان يعرف أي كلمة يلزم وضعها في أي بيت وأي بيت يقتضي انتقاؤه لأي موضوع، وساعده الحظ في السفر إلى رياض الأندلس التي تتغذى القرائح بنفحات أزهارها، وتقر العيون بحسن مناظرها، فصار ذهنه كأنه آلة بديعة تفي بوظيفة السينماتوغراف والفوتوغراف معا، فيصور ما يمر به من مشاهد الكون ويطبع ما يسمعه من حوادث الدهر، ويعرضه على القراء والمستمعين بدون أن يضيع منه خبرا أو يغفل منظرا، فصور في أشعاره الخمائل وهي الشجر المجتمع الكثيف، وكيفية تلاعب النسيم بأوراقها والأغصان الملتفة، وما ترسمه على بساط المرج الأخضر من الظل الظليل والجبال الراسية وما ينحدر عنها من الماء السلسبيل والأنهار الجارية، وما ينعكس على مرآة سطحها من ضياء القمر وشعاع الشمس، ووصف صفير البلابل وهديل الحمام وبغام الظباء، وسجع اليمام وذكر غدوها ورواحها ما بين الرياض المزهرة والأشجار المثمرة، والجداول المنحدرة وصور غير ذلك أيضا تصويرا حقيقيا بأوضح بيان، وأفصح تعبير حتى يخال لمن يقرأ أشعاره أنه ينظر إلى لوح من الألواح المصورة بقلم الرسام وفرشاته، ويسمع خرير الماء وصوت مزمار الراعي وهو يتناقص كلما ابتعد مع محبوبته في جوف الغابة، وجعل الألفاظ تلبس المعاني كما يلبس على الجسم، فجاءت ألفاظه طبقا على معانيه، وكان بمجرد نظره في المواد تتفجر المعاني من قريحته، فيزنها بميزان الحس ويصوغ لها على قدرها قوالب من الألفاظ والتراكيب كأحسن صائغ للحلي وأمهر سباك للمعادن، فكانت طريقته بادئ الأمر عبارة عن وصف الطبيعة ومناظرها البديعة، ثم هجم على قواعد المتقدمين وأساليبهم هجمة الأمة المستيقظة من غفلتها، وكسر القيود التي قيد بها بوالو عقول الشعراء، ونبذ قواعد الطريقة المدرسية وراء ظهره، وأصلح عروض الشعر الفرنساوي وغير تركيبه بمقاطيع مختلفة وجوز تكميل معنى البيت بالبيت الذي بعده، فوضع الجملة الواحدة في بيتين مما لم يجوزه المتقدمون، وجعل نظم الشعر موافقا لاحتياجات الفكر، وفتح لإخوانه من ذوي النشأة الجديدة طريقة مستحدثة في الأدب كانوا هائبين اقتحامها والولوج فيها.
فأوجد فيكتور هوكو بذلك الطريقة الرومانية، وحاد فيها عن استعارات الطريقة المدرسية وتشبيهاتها القديمة، ولم يتخذ كلام المتقدمين منوالا لينسج عليه كما فعل أندره شينيه خاتمة أهل الطريقة المدرسية، بل اتخذ السوق الطبيعي والإحساس الباطني دليلا له في النظم والنثر كما فعل المتنبي والمعري، وأهل طريقتهما الخارجين عن أساليب العرب المتقدمين، فكلما شعر فيكتور هوكو بشيء صوره بقلمه كما يحس به في قلبه بدون تهافت منه على ترصيع الكلام بجواهر البديع وتدبيجه بحلل المجاز والتشابيه، فإن أتى بشيء منها في كلامه عفوا بلا تصنع ولا تكلف فنعم، وإلا فهو لا يهتم إلا بالمعاني وبما يتخيله فيها من حقائق الشعر. وإذا أراد تعيين الزمان مثلا لم يتكلف ترتيب تلك الجمل المصنعة، ولم يذكر حركات العقرب على مينا الساعة، ولا شبه ذلك بدوران الفلك ولا بمنازل الشمس، بل قال بسوقه الطبيعي: «غدا اليوم الخامس والعشرون من حزيران سنة ألف وستمائة وسبع وخمسين ...» كما ورد في مطلع رواية قرومويل وهي من الروايات التشخيصية المنظومة شعرا، فهذا مقتضى البلاغة في تعيين الزمان، وهذه الشطرة المطابقة الحال أبلغ من سواها، ومن المثال السابق الذي مثلنا به من كلام أندره شينيه، فكان السالك نهج هذه الطريقة إذا عطش قال: هات اسقني كما قال أبو نواس:
ألا فاسقني خمرا وقل لي: هي الخمر
ولا تسقني سرا إذا أمكن الجهر
وأما السالك نهج الطريقة المدرسية، فكان يحيد عن السوق الطبيعي ويصنع كلامه، ويقول: «ألا ماء بارد نطفي به حرارة جوفنا»، كما قال ذاك البارد المتنحي.
فإيضاحا لحقيقة الطريقة الرومانية لا نرى بدا من تلخيص القواعد التي أوردها بوالو في صناعة الشعر، ثم تلخيص القواعد التي ذكرها فيكتور هوكو في مقدمة رواية كرومويل، وعارض فيها بوالو وجميع المنتسبين للطريقة المدرسية. (11) طريقة بوالو
نظم الشاعر الفرنساوي بوالو كتابه الموسوم بصناعة الشعر سنة 1674م، وهي أرجوزة طويلة محكمة البناء عالية النفس جامعة لقواعد الشعر وأنواعه، اعتنى الشاعر في إنشائها كثيرا وفكر فيها طويلا لتكون قاعدة ونموذجا في الشعر، واقتفى في نظمها وتأليفها أثر الشاعر اللاتيني هوراس، وهو نقل عن أرسطوطاليس في كتابه الموسوم بصناعة الشعر ولأرسطوطاليس في الشعر كتاب آخر لخصه القاضي أبو الوليد بن رشد، وطبع التلخيص المستشرق فوستولازينو في مدينة فلورانسه من إيطاليا سنة 1873، ولا نظن بوالو اطلع على قصيدة ابن رشيق ولا على مؤلفاته في هذا المبحث؛ لأن الإفرنج لم يكن لهم ألفة بأدب العرب في القرن السابع عشر، وإنما كانت عنايتهم باللغة العربية قبل ذلك حينما ترجموا كتب علمها إلى اللاتينية، ولم يعودوا لدرسها إلا في أواخر القرن الثامن عشر حينما نبغ شيخ المستشرقين سيلفستر دوساسي في باريس، وشرح مقامات الحريري وألف الكتب المعتبرة.
ولما ظهر ضيا باشا من متأخري الأدباء العثمانيين، وقرأ العربية ثم الفرنساوية اقتفى أثر بوالو ونظم بالتركية كتابه المعروف بالخرابات، وانتقد فيه على كثير من شعراء الترك والفرس والعرب، فجاء كمال بك وانتقد عليه في رسالة سماها تخريب الخرابات وخطأه في كثير من مباحثه.
فالفصل الأول من كتاب بوالو في صناعة الشعر يشتمل على تفصيل القواعد التي جملناها في الكلام على الطريقة المدرسية، وأكثر المؤلف في هذا الفصل من الحض على مراعاة قواعد النحو والصرف والمعاني وغير ذلك من علوم الآلات، وحذر كثيرا من الابتعاد عن سلامة الذوق ولو قدر شبر. وشرع في الفصل الثاني والثالث في تطبيق هذه القواعد العمومية على أفانين الشعر المختلفة، وعرف كل فن منها على حدته، وبلغت فنون الشعر عنده إلى نحو أربعة عشر فنا، منها أنواع الغزل والتشبيب والمرقصات والمطربات، وما احتوى على ذل العشق ورقة الكلام والأدوار المنسوجة على منوال شعراء التروبادور المعاصرين للأندلسيين، ومنها أنواع المدح وأنواع الهجاء والهزل والسخرية والذم المشابه للمدح، ومنها أنواع الرثاء ونحو ذلك.
وتكلم أيضا عن الروايات التمثيلية وهي «التراجيديا» أي: الفاجعات و«الكوميديا» أي: المضحكات، وعرف كلا منهما وبين الشروط المقتضى مراعاتها في تأليف الرواية التمثيلية، ولزوم وحدة الزمان والمكان والعمل، وعرف الشعر الموسيقي وهو النشيد والتلحين المسمى عندهم «ليريك» من كلمة لير وهي العود الذي يغنى عليه، وعرف أيضا الشعر الحماسي المسمى عندهم «إيبوبه»، ومعناها في الأصل الخطبة التي يقولها الخطيب.
ناپیژندل شوی مخ