تاريخ علم الادب: عند الافرنج او العرب او فکتور هوکو
تاريخ علم الأدب: عند الإفرنج والعرب وفكتور هوكو
ژانرونه
ويرى المتفرج على هذه الرواية أفعال السحر والسحارات المكارات اللواتي يطبخن المواد السحرية في القدر، ويصببنها بين المفارق ليسحرن المارين في الطرق، ويرى أيضا أعمال الشيطان الرجيم وغوايته لمن يتبعه من الإنس ومقدرته على خرق العوائد، وإظهار العجائب وحكمه في هذه الدنيا الدنية الفاسدة، وكيفية استعاذة النصارى منه بالصليب؛ ولذا جعل أهل القرون الوسطى قبضات سيوفهم على شكل الصليب؛ ليتعوذوا بها من شر الشيطان الرجيم، وبهذا يكون السيف قاطعا بقبضته في الروحانيات، وبحده في الماديات.
ولما ذهب نابوليون الأول بعساكره إلى بروسيا اجتمع في برلين بالشاعر كوته مؤلف رواية فوست المذكورة وحادثه طويلا، وعجب به وأحسن عليه بنيشان الافتخار فاتجهت نحو مؤلفاته أفكار الأدباء من الفرنساويين، كما اتجهت قبلا أفكار أدباء الألمان نحو مؤلفات فولتير حينما كان في سراي برلين من المقربين، وكانت أساليب الطريقة الرومانية دخلت فرنسا على عهد نابوليون الأول بواسطة شاتوبريان وما دام دوستايل.
أما الأول فهو الإمام الذي اقتدى به في الأدب فيكتور هوكو، وقال: «إما أن أكون شاتوبريان أو لا شيء»، واسمه فرانسوا رينه فيقونت دو شاتوبريان نسبة لشاتوبريان أي: لقصر بريان المشيد على نهر لوار بالقرب من نانت، وحيث كان من أشراف العائلات ذهب أيام الانقلاب الكبير إلى أميركا وساح بين أهاليها المتوحشين، وعاد منها لإنكلترة ثم لفرنسا ونشر قصة «أنلا» وذكر فيها ما شاهده في سياحته من عجائب الأمم المتوحشة، ثم نشر قصة «رينه» وقص فيها أخبار نفسه وبين أفكاره وانفعالاته بسبب ما كشف له من الحقائق المزعجة، وامتاز بين الكتاب برونق الإنشاء، وكثرة التصورات والإحساسات، وبشدة الهيام، وفصاحة الكلام فراجت بضاعته في الأدب ونشر حينئذ «حكمة الديانة المسيحية»، وأقبل على تدقيق هذا الدين وخرج لمشاهدة الأماكن التي ظهر فيها، والبلاد التي انتشر بين أهاليها، فساح في أقطار فلسطين، وسوريا، ومصر، وبر الأناضول. ونشر سنة 1809 كتاب الشهداء وبين فيه كيفية ظهور الدين المسيحي على الدين الوثني، ونشر سنة 1811 «دليل السياحة من باريس إلى القدس»، وعرف الفرنساويين بشئون القرون الوسطى بعد أن كان أدباؤهم مشغوفين بتعريف القرون الأولى وبتقليد أدباء اليونان والرومان، وكانت جريدة الديبا المشهورة بحسن الإنشا وجودة التحرير حديثة الظهور، فأقبل على التحرير فيها وبرع في قوة التصوير والوصف والتلوين، وكان لكلامه تأثير على النفوس فصار لمؤلفاته دخل كبير في ظهور أساليب الطريقة الرومانية، ودخل شاتوبريان الوزارة الخارجية وتعين سفيرا، ثم ناظرا للخارجية.
أما المادام دوستايل فهي بنت الوزير نيكر الشهير، اشتغلت بالعلوم والمعارف كما هي عادة سيدات النساء في ذاك العصر، ونبغت في فنون الأدب، وأصبحت عالمة فاضلة يشار إليها بالبنان، فحررت سنة 1810م كتابا مفيدا عن ألمانيا، وكتبت عن الأدب باعتبار ما له من العلائق بتشكيل الهيئة الاجتماعية، فدرست درسا فلسفيا أدب اليونان واللاتين، وبينت مدخل الدين المسيحي في تقريب عقول أهل الشمال من عقول أهل الجنوب، وذكرت الخواص المميزة لكل من الأدب الطلياني، والإسباني، والإنكليزي، والألماني، وما لكل منهم من العلائق بالفكر السياسي والأدبي، وشرحت تأثير الدين والأخلاق والشرائع على فنون الأدب، واستنتجت من تدقيقاتها العميقة أن الفكر البشري تابع لناموس الارتقاء مع المعاني الأخلاقية، والفلسفية، والعلمية، والسياسية ... إلخ ولكنه لم يتبع ناموس هذا الارتقاء في التخيلات الشعرية ولا في التصورات الخيالية، فعندها أن الشاعر كوميروس مثلا لا يذهب رونق كلامه وطلاوته ولا في عصر من العصور، ولا يسمح به الدهر مرة أخرى.
ثم ظهر لامارتين الشاعر السياسي الشهير، ونظم ديوان «التفكرات الشعرية»، فكان أول بناء من أبنية الشعر الجديد الموسيقي (ليريك)، وخالف فيه أساليب من تقدمه، كما خالف المتنبي أساليب الشعراء الجاهلية، واشتمل ديوان لامارتين على تمجيد الله الذي شرف عن التمجيد وعلى استغراقات في الحب وتجليات لطيفة، ووصف مظاهر الكون وعالم الطبيعة وصفا بديعا.
ومن أحسن ما نظمه قصيدة «البحيرة» التي ترجمها نظما للسان العثماني سعد الله باشا سفير الدولة العلية في فيانا، وباريس سابقا، وفهمت بأن أحمد بك شوقي شاعر الحضرة الخديوية ترجم القصيدة المذكورة للعربية.
وساح لامارتين في الشرق وأحسن عليه ساكن الجنان السلطان عبد المجيد خان بمزرعة «جفلك» في ولاية أزمير، فمكث فيها وفي ربى لبنان، وحرر سياحته الشرقية وتاريخ الدولة العثمانية في ثمانية مجلدات، ونظم ديوان الألحان الشعرية والدينية وغيرها. (10) ظهور فيكتور هوكو
فجميع من ذكرناهم من الشعراء الفرنساويين وغير الفرنساويين تقدموا على فيكتور هوكو أو عاصروه، ومهدوا له طريق الأدب الجديد، وكانت النفوس في ابتداء القرن التاسع عشر تائقة لرؤية أسلوب مستحدث في النظم والنثر، ولحصول انقلاب في الأدب كما حصل انقلاب في السياسة؛ لأن النشأة الجديدة من الخواص كانوا نافرين من قيود الطريقة المدرسية، وجمهور العوام كانوا متألمين من استبداد أصحاب الانقلاب الكبير باسم الحرية، فإن رؤساء هذا الانقلاب لم يكتفوا بتغيير شكل الحكومة بل هدموا أساس الدين، وسببوا حدوث الفوضوية في الأمة؛ أي إنهم فرطوا في جانب الدين، والسياسة كما فرط قبلهم ذوو التيجان من الملوك المستبدين، فكان الجمهور يترقب ظهور إمام في الأدب يعيد لهم الرجاء والأمل بالله، والشعراء يترقبون ظهور هذا الإمام ليخلص فن الأدب من القيود الذي قيده بها بوالو في كتابه المسمى «آربوثتيك» أي صناعة الشعر، فكانوا يتمنون كسر هذه القيود وإعطاء الحرية التامة للفكر، كما كسرت سلاسل الاستبداد وهدم بيت المظالم، ألا وهو حبس الباستيلية الشهير، وأطلق سراح المحبوسين فيه ظلما وعدوانا.
فظهر فيكتور هوكو وبرع في اللغة الفرنساوية وفي طرق الإفادة بها، وفضلا عن معرفته بالمفردات والتراكيب اللغوية، صار له خبرة بما للكلمات من القيمة الموسيقية؛ أي بالنغمة التي تحدثها كل كلمة والتأثير الذي يحصل من جمع نغمات الكلمات وألحانها؛ لأن الكلمة عند خروجها من الفم لها نغمة مخصوصة، ولحن بحسب مخارج الحروف، وتختلف المخارج باختلاف الألسنة؛ ولذا ورد في الحديث الشريف «اقرءوا القرآن بلحون العرب».
وقد عبر أئمة البلاغة من العرب عن هذه القيمة الموسيقية «بأجراس الكلم»، ولا يخفى ما في هذا التعبير من الحلاوة؛ لأن الصوت يرن بالألفاظ رنة الجرس، وصار لفيكتور هوكو أيضا مهارة بعلم القوافي، فقوافيه عامرة مختلفة ليس فيها ما هو مكرر أو مبتذل، بل جميعها ترد على غير ما ينتظره السامع.
ناپیژندل شوی مخ