شيء من معاناته (ع) اشتد عليه طلب الخليفة العباسي الجديد (( الملقب المهدي)) فاضطر إلى التنكر واشتغل سقاء على جمل حتى لا يعرف، وكان ينفق من ذلك فإذا لم يجد شيئا خرج إلى خارج البصرة إذا وجد من بقلها شيئا مرميا ليسد به رمقه، ولم يستطع أهل بيته (ع) زيارته ومعرفة حاله خوفا عليه من القتل.
يروي المؤرخون قصة عن جزء من معاناته وما حل به من العباسيين وذلك: أن يحيى بن الحسين بن زيد(ع)قال لأبيه يا أبت إني أشتهي أن أرى عمي عيسى بن زيد. ودافعه والده مرارا ثم إنه قبل وأعلمه بمكانه والمكان الذي ينزل فيه وقال له: (( سيقبل عليك عند المغرب كهل طويل مسنون الوجه قد آثر السجود في جبهته عليه جبة صوف يستقي الماء على جمل وقد انصرف يسوق الجمل لا يضع قدما ولا يرفعها إلا ذاكرا الله عز وجل، ودموعه تنحدر. فقم وسلم عليه وعانقه فإنه سيذعر منك كما يذعر الوحش. فعرفه نفسك وانتسب له فإنه يسكن إليك ويحدثك طويلا ويسألك عنا جميعا ويخبرك بشأنه ولا يضجر بجلوسك معه. ولا تطل عليه وودعه فإنه سوف يستعفيك من العودة إليه فافعل ما يأمرك به من ذلك ، فإنك إن عدت إليه توارى عنك واستوحش منك وانتقل عن موضعه وعليه في ذلك مشقة.
وذهب يحيى(ع) وتم اللقاء كما وصف له والده. وبكى عيسى (ع) بكاء طويلا ثم قال له: (( يا بني أنا أسقي على هذا الجمل الماء فأصرف ما اكتسب إلى صاحبه وأتقوت الباقي وربما عاقني عائق عن استقاء الماء فأخرج إلى البرية بظهر الكوفة فألتقط ما يرمي الناس به من البقول فأتقوته. ثم أقسم على يحيى أن ينصرف ولايعود إليه. فذهب يحيى بعد ذلك إلى ذلك المكان فلم يجده (1) .
ونادى المهدي في الأمصار بالأمان لعيسى بن زيد وبلغ عيسى (ع) فقال: (( لئن أبيت خائفا ليلة واحدة أحب إلي من جميع ما بذل لي ومن الدنيا بأسرها )).
مخ ۹۶