موقف العلماء بكى القوم من مقالة يحيى (ع) وتشاوروا فيما بينهم وصمموا على عدم الشهادة غير أن أبا البختري قال: (( هذا يحيى قد دخل الديلم ويريد أن يقاتل بأهل الشرك أهل الأسلام وقد جازت الرخصة في الكذب والخديعة في الحرب، وقد رأينا أن يحيى عبد لأمير المؤمنين نطلب بذلك الثواب عند لله تعالى. وأعاد عليهم قراءة الكتاب وما فيه لمن أبى الشهادة، وصاح فيهم ما تنتظرون خدعكم فانخدعتم وملتم معه على أمير المؤمنين، والله لئن امتنعتم من الشهادة عليه لتقتلن عن آخركم ولتسبين ذراريكم ولتؤخذن أموالكم (1) .
وتقدموا بالشهادة أن يحيى عبد لهارون الرشيد. فقال جستان: (( هل بقي لك عذر؟ )) قال يحيى (ع): بكاؤهم وترددهم. ولكن يحيى (ع) أيقن أنه سيسلم لا محالة. فقال لجستان: (( إن أبيت إلا غدرا فانظرني آخذ لي ولأصحابي الأمان على نسخة أنسخها وأبعثها إلى هارون حتى أكتب إقراره بخطه وجميع الفقهاء والعلماء والمعدلين )). فوافق جستان على ذلك.
الأمان
كتب يحيى (ع) نسخة الأمان على لسان هارون الرشيد لا ينقضه أو يبطله وله أن يذهب حيث شاء هو وأصحابه وإن نوى هارون الخديعة أو نقضه فهو مخلوع من إمرة المؤمنين، والأمة منه بريئة وكل ما يملك صدقة، وعليه طلاق نسائه وعتق مواليه، والله كفيل وشهيد عليه في هذا الأمان (2).وأرسلت نسخة الأمان إلى هارون ففرح بها وطيف بها على العلماء فوثقوها جميعا، وكان الأمان نسختين أعطي هارون الرشيد نسخة، وبقيت نسخة منه مع يحيى(ع).
رحيل يحيى (ع) من الديلم
وصل الأمان إلى يحيى(ع) موقعا موثقا بشهادة الفقهاء والعلماء فانفصل عن جستان بأصحابه، ولما دنا من الفضل تلقاه وترجل له وقبل ركابه بمرأى من جستان فندم وأخذ ينتف لحيته ويحثو التراب على رأسه تلهفا وتحسرا على عمله وتهاونه فقام عليه بنو عمه وقتلوه.
مخ ۱۰۶