إلا أنه لم يكد يجتاز بضعة أميال حتى تراءى له وحش رهيب ذو نظرات نارية، يحدق فيه بعينين ملؤهما الهول!
فخاف بادئ ذي بدء، ولكنه ما لبث أن تشجع ووالى سيره بعد أن وكل الله بأمره.
وإذ به يبصر تمثالا ممددا على الرمال له جسد أسد ورأس رجل، فتبين له أن هذا التمثال يبلغ طوله مئة قدم، وعرضه أربعين، وخيل إليه أن عينيه تحدقان في مشهد لا تستطيع رؤيته الأعين المائتة.
جلس الناسك على صخر محطم، وأخذ يصوب نظره في نظر التمثال، كأنما هو يخاطبه بهذه الكلمات: من أنت أيها الوجه الغريب؟ ... وفي ماذا يحدق نظرك الثاقب؟ ... أفي ظلمات الخليقة وأسرار الحياة والموت؟ أم في الشرائع التي تدير مقدرات العالم؟ ... أفي جهالة الماضي وشكوك الحاضر؟ أم في مخبآت المستقبل المجهول؟ ... من يدري ... ربما هو يحدق في الفضاء اللانهائي ...
ثم نهض من جلسته وحاول الهرب، إلا أن قوة هائلة سمرته في مكانه، ذاك أنه أبصر التمثال قد انتصب على قدميه، وحدجه بنظر مخيف قائلا: آه! دعني أحرك مفاصلي المخدرة ... لقد مر ستون قرنا على جمودي ... كنت تظنني تمثالا لا حراك بي ولا حياة إلا في مقلتي ... لا، فأنت مخطئ ... فدم حقيقي يجول في عروقي، وفي عصبي قوة لا تقهر ...
كان لي فيما مضى معبد ترى بقاياه لا تزال بالقرب مني ... وكان في هذا المعبد كهنة يحرقون البخور بين أصابع رجلي ...
كنت يوم ذاك إلها! ...
فاضطرب سيراب الناسك لدى هذا الكلام وصرخ قائلا: ماذا تقول؟ كنت إلها! ... - وكانت الجماهير تستشيرني في أمورها، وهي ترتعش خوفا ورهبة لدن سماعها صوتي الإلهي! إلا أن أجوبتي كانت حكيمة وصادقة ...
لقد تعاقبت ذراري البشر أمام عيني، وما هذه الرمال التي حولي إلا رماد الموتى ...
ثم أشار إلى الأهرام وقال: لقد شهدت طيلة قرون قطعان العبيد الذين بنوا هذه القبور الهائلة تحت السياط.
ناپیژندل شوی مخ