صرف الأخ يوسف سنين عديدة في ذلك الدير طائعا، ورعا حتى اكتسب جميع القلوب، وما عتم أن رسم كاهنا، وظهرت للوجود دلائل تقاه وقداسته.
منذ ذلك الحين أخذ يبذر العجائب في كل مكان، ويقود الشعب إلى الإيمان الحي ومحبة الله، بالرغم مما كان عليه من الجهل؛ لأن المرض كان قد نزع من ذاكرته تلك العلوم التي تلقنها بذكائه الفطري. •••
على مقربة من كوبرتينو تقوم بلدة ماندورة الصغيرة، تحت سماء صافية الأديم، مذهبة بأشعة وردية اللون، تنعكس على مياه بحر هادئ ذات أمواج زرقاء.
ذات يوم شاع نبأ أليم في الجبل، فلم يتردد القديس يوسف أن أسرع إلى ماندورة، فرأى جماعة من البائسين المرضى يجولون في السبل، وأبصر بعض رجال أقوياء يضعون أمام باب الكنيسة حصيرة عليها فقير غطت القروح جسده، وشاهد فتاة لا تزال في ريق صباها تقود شيخا أصيب بالعمى، وامرأة تضم إلى صدرها طفلا أخرس، يتراوح بين الموت والحياة!
كان هؤلاء القوم يسرعون إلى ملاقاة القديس؛ ليستمنحوه إنزال عجائبه عليهم والرأفة بمصائبهم الأليمة. •••
هناك، تجاه قصر دوريا منزل صغير، أغلق الحزن بابه على العابرين، وتصاعدت منه أنات وتنهدات!
ذلك أن امرأة بائسة من المؤمنات فقدت وحيدها في ذلك المنزل، فتقاطر القوم زرافات إلى مؤاساتها، ودلائل الحزن بادية على وجوههم.
بعد هنيهة أبصروا القديس قادما، فهتفوا قائلين: هو ذا القديس! هو ذا القديس!
أما القديس، فتقدم عاري الرجلين من الجماعة، وقال لهم مبتسما: لا، لا تقولوا: هو ذا القديس، فأنا من الخاطئين، بل قولوا: هو ذا الخاطئ!
ثم اقترب من الولد الأخرس وقال له: قل معي يا بني: الأب يوسف خاطئ يستحق نار الجحيم!
ناپیژندل شوی مخ