كان الظلام يهبط بسرعة عظيمة، حتى ساد السكون في جميع الأنحاء، ولم يبق من متحرك إلا أغصان الأدواح المرتفعة، يتصاعد منها من فترة إلى أخرى حفيف خافت، كأنه ضوضاء صماء.
بعد هنيهة تراءت خطوط نارية تشق الظلمة بأضوائها، وتنبعث من أعماق الأجمات، ثم قربت أصوات عديدة منادية: يا أخ إلياس! يا أخ الياس!
وبرز بعض القسوس من بقعة لا شجر فيها، تلوح على محياهم أمارات الجزع!
فقال لهم الكاهن مبتسما ابتسامة صفراء: ها أنذا يا أصدقائي، ها أنذا! فما الذي تخافون؟
فقال له أحد القسوس منحنيا: لقد أمرنا رئيسنا الجزيل الاحترام، بأن نبحث عنك ونصحبك إليه باسم الطاعة المقدسة، فالليلة مظلمة، والغاب شديد الوعورة، والمسالك صعبة خطرة! فلا يبعد أن تضل السبيل، وتقع في مكيدة من مكائد الحرج، وثق بأنك إذا ضعت، أنت مفخرة سر الكهنوت، يموت رئيسنا الجزيل الاحترام حزنا عليك!
ففكر الكاهن فترة، ثم قال: آه! مفخرة سر الكهنوت! أنتم لا تدركون ... وصمت فجأة صمتا غريبا، فاحترم القسوس صمته، ولكن النظرات التي كانوا يتبادلونها كانت تنم عن تعجب من ذلك الاحترام الرفيع. •••
منذ سنوات عديدة كانت امرأة تجتاز مسالك الدير صبيحة يوم جميل، حتى انتهى بها السير إلى قاعة الرقباء، فالتمست مقابلة الرئيس، وكان يتبعها ولد جميل قسمات الوجه، ذو نظرات عذبة تشف عن ذكاء ونجابة.
كان بود هذه المرأة أن تقف ولدها إلياس لخدمة المعبد؛ لأنه لم يكن يحلم بسوى المباخر والسجود والأغاني الروحية المقدسة.
فكثيرا ما كان يطرح على والديه أسئلة غريبة، فيتحيران في أمرهما فيحيلانه إلى أحد الكهنة؛ ليحل له معقدات أسئلته، فيعجز هذا عن إقناع ذكاء الولد المضطرب.
وأخيرا اعتقد الوالدان أن إرادة الله تتجلى في تلك الدلائل الغريبة، فلم يترددا أن انفصلا عن ابنهما الحبيب.
ناپیژندل شوی مخ