وجوابنا ان ذلك كان من قبل فانه كان المرء مخيرا بين الصيام وبين الإطعام ثم نسخ بوجوب الصيام وانما رخص في ذلك لمن لا يطيق أو لمن خاف من الصيام ودل تعالى بقوله (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) على انه اذا كان لم يرد التشديد في الصوم مع السفر والمرض رحمة بالعبد فبأن لا يريد منه ما يؤديه الى النار أولى وقوله تعالى (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب) لم يرد به تعالى قرب المكان وهذا كقوله (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) وكقوله (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم) وكقوله (ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم) وذلك مثله يحسن في الكلام البليغ وقد يقول المرء لغلامه وقد وكله في ضيعة على وجه التهديد له اني معك حيث تكون يريد معرفته باحواله والله تعالى بكل مكان على وجه التدبير للاماكن وعلى سبيل المعرفة بما يبطنه المرء ويظهره فهذا معنى الكلام ولو لا صحة ذلك لوجب أن يكون قريبا ممن بالشرق وممن بالغرب وان يكون في الأماكن المتباعدة تعالى الله عن ذلك فانه قد كان ولا مكان وهو خالق الامكنة. وبين تعالى انه يجيب دعوة الداع اذا دعاه لكن ذلك بشرط أن لا تكون فسادا والذين يدعون لا يعرفون ذلك فلأجل ذلك ربما تقع الاجابة وربما لا تقع وربما تقدم وربما تأخر، وقد كان من قبل يحرم على الصائم الأكل إلا عند الافطار ثم أباحه الله تعالى وأباح غيره طول الليل فهو معنى قوله (أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم) فقد كان من بعض الصحابة اقدام على الوطء ثم تاب من بعد ذلك فهو معنى قوله (فتاب عليكم وعفا عنكم) ثم أباحه بقوله (فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) وروي عن بعض الصحابة ومن بعدهم انه كان يبيح الأكل الى قريب من طلوع الشمس والصحيح انه انما يحل الى طلوع الفجر الثاني وهو الذي عليه العلماء والظاهر يدل عليه.
[مسألة]
وسألوا عن قوله (حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله) فقالوا ان ذلك يدل انه استبطاء النصر من جهة الله فكيف يجوز ذلك على الأنبياء. وجوابنا انهم لم يقولوا ذلك استبطاء بل قالوه على وجه المسألة والدعاء وخوفا على ما يلحق المسلمين من جهة الكفار فبين تعالى ان نصره قريب وأمنهم مما خافوه وذلك مما يحسن.
مخ ۴۲