تنزيه القرآن عن المطاعن
تنزيه القرآن عن المطاعن
ژانرونه
وربما قيل في قوله تعالى (ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها) كيف خفي على ابراهيم انهم لم يريدوا بالاهلاك لوطا ومن آمن معه حتى قال ما قال فأجابوه بما أجابوا؟ وجوابنا أنه يجوز في الدنيا أن يلحق العذاب بالعصاة ويكون فيهم غيرهم فيكون ذلك محنة فلما كان ذلك مجوزا جاز أن يقول إبراهيم صلى الله عليه وسلم ما قال ولا يمنع أن يكون في ظنه ان القوم لا يعرفون أن لوطا فيها فعرفهم ذلك وقوله تعالى من بعد (فكلا أخذنا بذنبه) لذكر ما أنزله بأمم الانبياء من العذاب وقوله بعد ذلك (وما كان الله) (ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) يدل على ان هذه الافعال أفعال العباد ليصح أن يؤاخذوا بها وان ينسب الظلم الى أنفسهم كما نقوله في هذا الباب وقوله من بعد (خلق السماوات والأرض بالحق) أيدل على ما نقوله من أنه لا يفعل إلا الحكمة والصواب وفي قوله بعد (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) ربما يقال إنا نرى من يصلي ولا ينتهي عن ذلك فكيف يصح هذا الظاهر؟ وجوابنا عنه ان الذي تنهى الصلاة عنه هو الذي لا يقع والمصلي وان فعل منهما الكثير فمعلوم من حاله انه غير فاعل لشيء من ذلك في بعض الاوقات فبين الله تعالى أنه أوجبها لأن عندها ما هو ازيد منه ومعلوم أيضا أنه غير فاعل المصلى لا يختار الفحشاء والمنكر وإلا فالصلاة محال أن تنهى فالمراد ما ذكرناه وهذا أحد ما يعتمد عليه في أنه تعالى لا يعبد بهذه الشرائع إلا لهذا الوجه وقوله من بعد (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم) ربما قيل فيه ان ظاهره يقتضي فيمن ظلم منهم أنه يجادل بما ليس أحسن وذلك لا يصح؟ وجوابنا أن من ظلم منهم نفسه وتمرد لا يكون ما يلزمنا أن نرد به عليه مثل الذي نخاطب به غيره وإن كان الجميع حسنا أنا نفعل مع بعضهم ما غيره أحسن منه وان كان كل ذلك من باب الحسن وقوله تعالى (وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون) يدل على ما نقوله من أنه تعالى ينزه الانبياء عن كل أمر ينفر عنهم وقوله تعالى من بعد (وإن جهنم لمحيطة بالكافرين) ربما يتعلق به الخوارج في أن كل فسق كفر وربما يتعلق به من يقول إنه مع الايمان لا يضر شيء. وجوابنا أن ذلك لا يمنع من أن يحيط بغيرهم فلا يدل على ما قالوه وفي قوله تعالى (ويقول ذوقوا ما كنتم تعملون) دلالة على انهم يعاقبون ويعرفون أن ذلك العقاب عدل من حيث عملوا وأذنبوا ولو كان ذلك من خلق الله تعالى فيهم لما صح ذلك وقوله تعالى من بعد (يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون) ربما يقال ما الفائدة في ذلك وهو معلوم للمخاطب؟ وجوابنا أن المراد فاياي فاعبدون ولا يصدنكم عن العبادة عدم الاستقرار في مكان واحد بل يجب أن المرء يكون الوفاء بعبادة الله تعالى ولو مع التحول ان تحول فأرض الله واسعة.
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (وإن الدار الآخرة لهي الحيوان) كيف يصح ذلك في وصف الدار التي هي جماد؟ وجوابنا انه تعالى بين بهذا المجاز ما لا يفهم بالحقيقة إذ المراد أن هذه الدار من حق الحياة فيها أن تدوم ولا تنقطع ومن حقها أن يدوم نعيمها بلا بؤس وأن يتصل ولا مشقة.
مخ ۳۱۷