تنزيه القرآن عن المطاعن
تنزيه القرآن عن المطاعن
ژانرونه
وربما قيل في قوله تعالى (وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوأ بالعصبة أولي القوة) كيف يصح أن يبلغ في الغنى هذا الحد ومثل ذلك متعذر في العادة؟ وجوابنا أن العصبة قد يقل عددها ويكثر فلا يمتنع أن يكون الله تعالى قد آتاه من الاموال ما فرقه في الظروف الكثيرة وبلغت مفاتيح غلقها ما ذكره الله تعالى ولسنا نعلم أن الغلق في ذلك الزمان كيف كان فانه قد يعظم فتعظم لذلك مفاتيحه وقد يصغر ومعلوم أن كثيرا من الملوك يجتمع في خزانته مثل ذلك وأكثر فلا حاجة لاستبعاد ذلك وقوله تعالى (إذ قال له قومه لا تفرح) لا بد من حذف في الكلام وهو لا تفرح بما حصل فرح من يظن أنه يدوم ويبقى وقوله (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة) يدل على ما قلناه فكأنهم أشاروا عليه بأن ينفقه في سبيل الله وينصرف عن الجمع الكثير وقوله (ولا تنس نصيبك من الدنيا) المراد به التمتع بالقدر الذي يخرج في العرف وقد قيل أن المراد أن يأتي في الدنيا ما يفوز لأجله بالآخرة إذ الدنيا إنما تراد لمثل ذلك إذا وسع الله على المرء ولذلك قال تعالى آخرا (ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا) حاكيا عن أولي العلم منهم ونبه تعالى بقوله (فخسفنا به وبداره الأرض) على أن الاعتداء بالدنيا وان كثرت من أعظم الخطأ وأن الواجب تفريق ذلك في مصالح الدين والدنيا وقال تعالى (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين) فان من يكون بغيته جمع الاموال وعمارة الدنيا ويلهو عن الآخرة فمراده العلو في الارض والفساد فان أضاف الى ذلك التسلط على الناس لما فضله الله به فهو أعظم ولمن يعنى بذلك ارادة العلو في باب الدين فان بلغ الانبياء هذه الرتبة العالية فيجوز أن يريدوا انقياد الناس لهم ودخولهم تحت طوعهم وقوله عز وجل (ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون) أحد ما يدل على أنه لا يزيد في العقاب البتة وان كان يزيد على الثواب التفضل الكثير وقوله تعالى من بعد (ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه) فالمراد به أنه يفني جميع الاشياء ثم يعيد ما يجب إعادته وقوله إلا وجهه المراد به إلا هو فليس للمشبهة تعلق بذلك ويلزمهم أن أثبتوا لله وجها ويدا أن يقولوا إن سائره يفنى ويبقى وجهه وليس ذلك مما يعتقده مسلم وعلى هذا السبيل يقال هذا وجه الامر وهذا وجه الصواب فقد يذكر الوجه ويراد نفس الشيء فعلى هذا الوجه نتأول الآية.
مخ ۳۱۲