272

تنزيه القرآن عن المطاعن

تنزيه القرآن عن المطاعن

ژانرونه

وربما قيل في قوله تعالى (فوكزه موسى فقضى عليه) كيف يصح من النبي أن يقع منه قتل من لا يحل دمه؟ وجوابنا ان وكزه كان على وجه الدفع لما أراد مخاصمته ولم يظن انه يؤدي الى قتله وذلك كالمرء يؤدب ولده استصلاحا له فيؤديه الى الموت وهذا من الصغائر التي نجوزها على الانبياء ولذلك قال (هذا من عمل الشيطان) وذلك يدل على أن أفعال العباد ليست من خلق الله تعالى وإلا كان الأشبه به أن يقول هذا من عمل الرحمن ولذلك قال بعده (قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم) وقوله تعالى (قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين) أحد ما يدل ايضا على ما قلناه لأن فعل المجرمين إن خلق جرمهم فلا فائدة في أن يكون ظهيرا وإن لم يخلق هو أيضا فلا فائدة في ذلك وقوله تعالى (فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه قال له موسى إنك لغوي مبين) يحتمل أنه ظهر منه ما يوجب أن لا يعينه ويحتمل أنه خاف إن أعانه على نفسه منهم فلا مطعن في ذلك وقوله من بعد (فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس) يدل على التأويل الثاني وانه خاف من ذلك فلهذا امتنع من نصرته وقوله تعالى (وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك) أحد ما يدل على وجوب العمل بالخبر فيما يجري مجرى الخوف ولذلك خرج خائفا الى مدين وسأل الله تعالى أن ينجيه من القوم الظالمين ولو كان ظلمهم من خلق الله لكان ينجيه من نفسه تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا وقوله تعالى من بعد (فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير) مع شدة حاجته عجيب في اقتصاره على هذا القدر حتى دعاه شعيب وأمنه وكفاه وأنكحه ابنته وقضى له موسى بعد ذلك أحسن الأجلين. فالمروي عن المفسرين أنه قضى الاجل الأكمل وقوله بعد (نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين) أحد ما يدل على حدوث كلام الله تعالى وإلا كان يجب أن يكون أبدا قائلا لموسى هذا القول.

[مسألة]

وربما قيل في قوله تعالى (وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى) كيف يصح على فرعون أن يظن هذا الظن مع كمال عقله ومعرفته بأن القصور وإن بنيت أطول منها فلا يصح فيها ذلك وكيف يصح ان يقول هذا القول مع قوله تعالى في سورة بني اسرائيل (لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض) فان كان عالما بذلك فكيف يصح ان يظن الاطلاع إلى إله موسى؟

وجوابنا ان فرعون لما ادعى الالهية وصدقه قومه لجهلهم كان يظهر القدرة ويدعيها وإن كان في الباطن يعلم خلاف ذلك وعلى هذا الوجه قال ما علمت لكم من إله غيري مع علمه باحتياجه الى الاكل والشرب ودفع المضار وعلى هذا الوجه أيضا قال لهامان وذلك لا يمنع من ان يكون في الحقيقة عالما بالله تعالى على ما يدل عليه قوله (لقد علمت ما أنزل هؤلاء) فليس بين الآيتين اختلاف.

[مسألة]

مخ ۳۱۰