قالوا كيف وصف تعالى نفسه بالاستهزاء فقال (الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون). فجوابنا أن الاستهزاء لا يجوز على الله تعالى لأنه فعل مخصوص يفعله من لا يمكنه التوصل الى مراده إلا بهذا الجنس فتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وإنما أراد بذلك أنه يعاقبهم ويجازيهم على استهزائهم كما قال تعالى (وجزاء سيئة سيئة مثلها) (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه) وما يفعله الله تعالى لا يكون سيئة ولا اعتداء ويقول العرب الجزاء بالجزاء والاول ليس بالجزاء وقال صلى الله عليه وسلم أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك وانما أجرى اللفظ على جزاء الاستهزاء مجازا واتساعا. فان قيل ما معنى قوله تعالى (ويمدهم في طغيانهم يعمهون) أفتجوزون على الله تعالى ان يمدهم في كفرهم وان يريد ذلك. وجوابنا أنه تعالى أراد بمدهم في جزاء طغيانهم لا نفس طغيانهم ويحتمل أن يكون ذلك عاقبة أمرهم في ذلك لقلة قبولهم ويكون ذلك مآل أمرهم وعلى هذا الوجه ذمهم بقوله (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى) فالمراد بقوله (ويمدهم) أنه يبقيهم وهذا حالهم ويبين تعالى ذلك بأن (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم) فان ظلمة المكان وقد كان فيه الضياء ثم فقد أعظم من الظلمة الدائمة.
[مسألة]
ان قيل كيف يصح أن يقول تعالى (صم بكم عمي) ولم يكونوا كذلك في الحقيقة. فجوابنا انه تعالى شبه حالهم من حيث لم ينتفعوا بما يسمعون ويبصرون ويقولون بحال من هذا وصفه وذلك بين في اللغة فيمن لم يقبل ولا ينتفع والبيان انه يوصف بذلك على ما قدمنا من انه ربما يوصف بأنه ميت وبأنه بهيمة وبأنه حمار وقد تقدم ذكر ذلك وعلى هذا الوجه يقال حبك للشيء يعمي ويصم والمراد يصيره الى رتبة الأعمى والأصم في انه لا ينتفع ويتعدى وجه الصواب.
[مسألة]
مخ ۱۶