للكفار، لأن العقل لا يمنع من ذلك. وإنما يمنع السمع الذي فرضنا ارتفاعه.
فإن قال: أردت أنه ليس لأحد ذلك مع القطع على العقاب، قلنا:
ليس هكذا يقتضي ظاهر كلامك. وقد كان يجب إذا أردت هذا المعنى أن تبينه وتزيل الابهام عنه، وإنما لم يجز أن يستغفر للكفار مع ورود الوعيد القاطع على عقابهم، زايدا على ما ذكره أبو علي من أنه ترك الرضا بأحكام الله، أن فيه سؤالا له تعالى أن يكذب في أخباره، وأن يفعل القبيح من حيث أخبر بأنه لا يغفر للكفار مع الاصرار.
تكريم إبراهيم باستجابة دعائه:
(مسألة): فإن قال: إذا كان من مذهبكم إن دعاء الأنبياء (ع) لا يكون إلا مستجابا، وقد دعا إبراهيم عليه السلام ربه فقال: (واجنبني وبني أن نعبد الأصنام). وقد عبد كثير من بنيه الأصنام وكذلك السؤال عليكم في قوله: (رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي) (1).
(الجواب): قيل له أما المفسرون فإنهم حملوا هذا الدعاء على الخصوص وجعلوه متناولا لمن أعلمه الله تعالى أنه يؤمن ولا يعبد الأصنام حتى يكون الدعاء مستجابا، وبينوا إن العدول عن ظاهره المقتضي للعموم إلى الخصوص بالدلالة واجب، وهذا الجواب صحيح، ويمكن في الآية وجه آخر: وهو أن يريد بقوله: (واجنبني وبني أن نعبد الأصنام) أي افعل بي وبهم من الألطاف ما يباعدنا عن عبادة الأصنام ويصرف دواعينا عنها. وقد يقال فيمن حذر من الشئ ورغب في تركه وقويت صوارفه عن فعله: أنه قد جنبه. ألا ترى أن الوالد قد يقول لولده إذا كان قد حذره من بعض الأفعال
مخ ۵۸